اعتدلت في جلستي على ” الكَاوَنْتَر” فنظرت لي والدتي بابتسامة وقالت: راح يشتغل المسجل، ضحكت ثم ثبت يدي اليمنى تحت ذقني كمن يفكر بعمق:” ما هو السؤال الذي إذا سألته لك الان ستعطيني نظرة :”ما هذا السؤال الغبي؟” أجابت والدتي بسرعة كمن ينتظر إشارة بدء السباق:” هل تحبيني؟ ماما انتِ امي صح؟” حدقت بنظرة جانبية لأنني شعرت بالتهديد و التقصد تجاه اختيار هذين السؤالين:” لا تكوني هكذا، لكن اليس هذين السؤالين يصنعان حبكة درامية ممتعة .
“أحتفظ بستة رجال خدمة صادقين. لقد علموني كل ما أعرفه. أسمائهم هي:
لماذا، كيف، ماذا، متى، أين، من.”
المعلمين والمعلمات الأعزاء، هل يوجد أسئلة غبية؟
منذ أن كنا صغارًا ومُعلمينا يُلحون علينا بالسؤال بعد كل درس وحفروا في اذهاننا مبدأ “أن لا سؤال غبي” وكل الأسئلة مهمة لكن في واقع الامر هم يحملون معهم هذه الأسئلة الى مكاتبهم ونكون مادة للضحك فيما بينهم (نعم، كانت الحقيقة مؤلمة قليلًا يا معلماتي العزيزات وصدقًا لا مشاعر سلبية تجاهكم تستحقون المرح قليلًا ولو كان على حسابنا) لكن هل حقًا لا سؤال غبي أم توجد أسئلة غبية يحب ان نجد اجاباتها بأنفسنا ونتجنب طرحها على الأخرين؟ كارل ساغان العالم في الفلك (والكثير من العلوم الفضائية) شارك رأيه عن الأسئلة الغبية في كتابه “العالم الذي تسكنه الشياطين: العلم كشمعة في الظلام” في أنه توجد أسئلة ساذجة ولم توضع في السياق الصحيح أو تم استعمال الأدوات الخاطئة في توضيح هذا السؤال لكن تبقى كل الأسئلة هي محاولة لفهم شيء ما في هذا العالم.
الأسئلة الغبية في رأينا
عندما بحثت عن الأسئلة الغبية وصلت لعدة أسئلة اعجبتني:
لماذا عندما نقود السيارة ونخطئ الطريق نقصر صوت المسجل في السيارة؟
هل نمت؟ لماذا ابنك لا يشبهك؟ لماذا لم تتزوج حتى الان (ربما انحرفنا نحو الأسئلة الشخصية “الحشرية”)
ما سبق هي امثلة عن أسئلة في رأيي الشخصي أود معرفة اجابتها من منطلق الضحك أو الفضول الإنساني، التساؤل ليس عيبًا لكن نوع اسئلتك قد يعطي انطباعًا عن عقليتك، فلنرسم مثالًا هنا، أنت جالس في دائرة بشرية وهنالك شخص يجلس امامك لم يكف منذ بداية الجلسة بالسؤال عن الوقت ولا نحتاج ان نكون بذكاء المحقق كونان لنشعر بعجلة هذا الشخص و أهمية الموعد القادم له، لكن الشخص نفسه لديه هاتف ذكي لماذا لم يستعمله -و يريحنا بِسكوته-؟ لأنه يريد إرسال معلومة أخرى لنا الا وهي: ” انا مشغول لكني جلست معكم قدروا هذا” أليس هذا مزعجًا، ماهي مشاعرك تجاه هذا الشخص؟
سيناريو اخر، في زمن التكنولوجيا و سباقنا مع الذكاء الصناعي على وظائفنا، يأتيك احدهم ويسألك عن أماكن تواجد فروع احدى الصيدليات ويتوقع منك ان تعرف بالتفصيل كيفية الوصول إليها (طبعًا انا شخصيًا استثني كبار السن من هذا المثال لان التكنولوجيا دخلت حياتهم في وقت متأخر والعتب على عائلاتهم) ألا ترغب بصفعه بهاتفه الذكي؟ -ما زلت أتقدم بخطوات صغيرة نحو التحكم بالغضب-. شخصيًا صادفت أسئلة غبية بعيدة كل البعد عن تعريف الدكتور كارل، خلال فترة بحث التخرج كان زملاء البحث يطرحون الكثير من الأسئلة، فأنا بدوري أرسل اجاباتها التي وبعد قراءتها يفهمونها تمامًا، فمن اين حصلت عليهم؟ غوغل، نعم فقط انسخ وألصق وأرسل -يا المفاجأة كأن الأنترنت تم اختراعه في منزلي وانا الوحيدة التي لها صلاحية استخدامه!-.
سابقًا وقبل الانترنت كان البحث عن معلومة سهلة كعاصمة دولة او حتى الاتجاهات صعبًا جدًا لكن الأن كل شيء موجود بين يدينا، جديًا انا أحب الأسئلة؛ أحب طرحها والاستماع اليها ثم النقاش الذي يلي الاستماع للإجابات هو الأروع! يقول مارك توين ” أهم يومين في حياة الأنسان هما يوم ولادته ويوم اكتشافه لماذا؟” حياة الانسان كلها تساؤل لكن ليس كل تساؤل سيؤدي بك الى نتيجة، البديهيات والمحفوظات ابحث عنها بنفسك (آيات وأحاديث، عواصم، شخصيات، قصائد، الخ..).
انسان بالغ ولديه الامكانية العقلية والمادية للوصول واستعمال محرك بحث قوقل ليس لديه أي حجة لسؤال “غبي” ويستحق ان يوصف بالكسل او الغباء عن اسئلته (لكن كوننا مسلمين نحن لا نتنابز بالألقاب فأحتفظ بها لنفسك)، ابحث عن السؤال اقرأ الإجابة وعندها إن كانت الإجابة غير واضحة شارك استفهاماتك مع الاخرين ليساعدوك، بهذه الطريقة ستكون اسئلتك اكثر دقة ،تعينك على الفهم و تعطيك تجربة تعليمية افضل.
اسأل لسبب
“إذا كنت لا تعرف لماذا تقوم بهذا الشيء لا تقم به” القيام بشيء مع معرفة سبب القيام به يعطي ضعفين الدافع للمداومة عليه، إذا كنت ستسأل عن شيٍء ما فليكن لغاية؛ كالزيادة في العلم، التعرف اكثر على الأشخاص واهم أنواع الأسئلة هي طلب النصيحة. الدكتور رودولفو شارك بمقالة قصيرة عن أهمية الأسئلة وإحدى الأمثلة التي طرحها للتوضيح هو سؤال “لماذا نعمل؟” أجاب طبعًا نحن نعمل لنعيش ونعيش لنعمل، كل ما تقوم به بشكل دوري ومتكرر سواء بعائد مالي او معنوي يعد عملًا ( نعم ربات المنزل نساء عاملات وعملهن هو البداية لكل شيء) ، بعيدًا عن الإجابة الفلسفية الجميلة التي قدمها الدكتور نحن نعمل لأجل المال الذي سننفقه في وقت فراغنا حتى نستمتع ( العزاب) او لأننا نحمل مسؤولية انفسنا وغيرنا في مصروفات العيش ( العائلة) لكن لكي تحتفظ بعقلية سليمة يجب ان يكون لك سبب اسمى؛ أعالة العائلة ورؤية الابتسامة على وجه من تحب سبب، المساهمة في بناء مجتمعك ، وطبعًا ما نطمح كلنا اليه العمل الذي يجلب لك السعادة ، احمل في صدرك عدة نوايا للعمل لأن ما يهم هو ان تملك سبب معنوي عظيم وثري.
الأسئلة كقوة يمكنك استعمالها
طرح الأسئلة هو شيء فطري ومسلم به كشرب الماء فهل يمكن ان يتحول الى نقطة قوة في صالحك؟ مؤخرًا بدأت في قراءة كتاب لم انهيه حتى الان (سأشارك معلومات أكثر عنه فور انتهائي منه) وهو طرح الأسئلة المناسبة لستيوارت كيلي، قدم الكاتب نهج يسمى بالإسفنجة وفرز الذهب، ان تتصرف كالإسفنجة هو ان تمتص كل المعلومات من حولك بدون تقييم او تحديد فقط تجميع ثم يأتي فرز الذهب وهو ان تنتقي المفيد المهم مما جمعت، عندما تجمع كثيرًا ستسأل كثيرًا لكن ستكون اسئلتك ضعيفة لذا افرز عن معلوماتك التي استقبلتها الشوائب واعطي سؤالًا يكون نقيًا كقطعة الذهب (القول اسهل من الفعل، لكن لا تيأس من المحاولة).
حسنًا أهم خطوة يمكنك القيام بها لتحسين جودة اسئلتك هي الانصات التفاعلي، فأن سُئِل سؤالٌ تعرف اجابته لا تصمت لأنك اذكى من ان تجيب، بل شارك حتى لا يقطع حبل التركيز الذي يربط بينك وبين المتكلم. بعد عملية الانصات المضنية فالبداية، عليك تحليل ما قيل بطريقة نقدية (هل يتذكر أحدكم سؤال التفكير الناقد الذي يأتي في نهاية كل وحدة دراسية ضمن اغلب كتبنا المدرسية؟ كنا نتجنبه لأنه لا يُسأل عنه في الامتحان ..) التفكير الناقد ببساطة هو ان تشكك فيما يُقال ولا يُدعم بدلائل قوية وداحضة، هو ان تقييم المعطيات بدون تحيز مسبق (ان تترك ما تعلمته ووثقت به سابقًا على جنب وتحلل ما أمامك بعينين جديدتين). التفكير الناقد عادةً ما يجلب لصاحبه الشبهة بأنه غير راضي عن شيء ولا يعي ماهية الأيمان بواقعية بعض الأمور من غير دليل لكنه على العكس تمامًا؛ فأنه يؤمن ويثق بآرائه أكثر لأنه لم يصل لها بسهولة، بل كان بشق الأنفس، أمضى الساعات بالسؤال والبحث حتى يصل لقناعة راسخة لا تشوبها شائبة ولم يكتف بمشاعر وتصورات خيالية.
الثلاثون من سبتمبر يومًا للأسئلة الغبية
نحو قرابة الأسبوع كانت بعض المدارس في أمريكا تحتفل بيوم للأسئلة الغبية لإعطاء الطلاب فرصة طرح اسئلتهم التي يظنون انها غبية على مدرسيهم وكما كان متوقعًا كانت العديد من تلك الأسئلة قيمة حقًا ، وبالطبع كان هنالك الأسئلة التي تخجل حتى من اعادتها لنفسك، اعتقد ان مدارسنا يجب ان تطبق هذه الفكرة لكن يُفضل أن يكون حدثًا أسبوعيًا كل خميس اخر ساعة قبل انتهاء الدوام المدرسي، ستتيح هذه الفكرة للطلاب بأن يشاركوا أفكارهم الحقيقة مما سيسهل على المدرسين (وفي كثير من الأحيان يكونون أيضًا المربيين) بأن يصححوا مفاهيم مغلوطة أو يطرحوا دروسهم القادمة بطريقة مختلفة.
أجل أجل هناك العديد من الأسئلة الغبية التي نسمعها يوميًا و لقد نسيتي سؤال غبي مهم لماذا نرتدي النظارة عند عدم سماع كلام أحد ما بشكل واضح أعني حقًا ما هي العلاقة و الغريب أنك تسمع بشكل جيد بعدها
شكرًا لكي كاونتر استمعت بقراءة كلماتِ الثمنية ألقاكِ في المقالة التالية !