لسان الضاد يجمعنا …. بغسان وعدنان
كان يومًا عاديًا ، و كنت جالسةً مع أحدى معارفي نستمتع بالوجود الجسدي لبعضنا ،لكن كل منا في عالمها الرقمي، تحركت مُجالستي بشكل مفاجئ وقالت :” هل تعلمين أنه يمكنك الان ان تقومي بال Screenshot عبر النقر مرتين بظهر الهاتف؟”، نظرت لها و رددت :” جميل ، كيف؟” ، مدت يدها نحوي استأذنًا منها بأخذ هاتفي فناولتها إياه ، ضحكت قليلًا وهي تقول :” لماذا هاتفك بالعربي؟” نظرت لها باستغراب :” لأنني عربية؟”. لم تعجبني هذه الميزة في التحديث ؛ لأن الاستديو لدي امتلئ بالصور ، لكن لنعد الى هدف هذه التدوينة ، و هو تغيير اعدادات هاتفك للغة العربية ، ان تعود و تقدم اعتذاراتك للغة التي صنعت هويتك و بنت صروح الحضارة التي نحن هدمناها بإيادينا.
:” شنو كانت الكلمة بالعربي؟”
كانت لحظة الصحوة عندما قلت كلمات عنوان هذه الفقرة. بعد تقريبًا خمس سنوات من دراسة الصيدلة باللغة الإنجليزية و استعمال اللغة بشكل يومي ، الابتعاد عن قراءة الكتب العربية مع مشاهدة البرامج والمسلسلات الأجنبية ؛ اندثرت لغتي الام. كنت طالبة متفوقة في اللغة العربية و بداياتي في الكتابة كانت في المرحلة الإعدادية ، تمسكت بهذه المهارة فاللغة حتى الجامعة ،لكن على ما يبدو لم تكن قبضتي قوية بما يكفي. أريد أن أوضح نقطة مهمة قبل البدء ، تعلم اللغات ( الإنجليزية ، الفرنسية، الكورية الخ ..) ليس شيئًا سلبيًا، نحن لا ننبذ تعلم اللغات فهي مفتاح بوابة فهم الاختلاف و احترام الاخر ، إضافة للفوائد العقلية من تعلم اللغات مثل تحسين الذاكرة و ما شابه. بما أننا وضعنا هذه النقطة كحجر أساس، لنبدئ برصف الكلمات العربية حتى نصنع منها حُجة لتُغير إعداداتك اللغوية.
عندما تتذكر المفردات بلغتك الأجنبية المكتسبة و تنساها بلغتك الأم فهذه مصيبة ( المبالغة هنا مطلوبة) ، لأن اللغة هي الهوية ، والهوية هي الشيء الذي نبحث عنه طوال سنواتنا الممتدة من السابعة عشر وحتى الثلاثين ، نريد أن نعرف من نكون و ماهي حياتنا ، فهل ابتعادنا عن اللغة الام هو سبب ضياعنا ؟ الإجابة هي نعم ، فمهما غمست نفسك بالثقافات الأجنبية لتبدو اكثر انفتاحًا و رُقيًا ، ستمطر عليك الدنيا ، و تمسح عنك تلك الطبقة الخارجية لتظهر ضعيفًا مهزوزًا لا يقوى على الكلام. يمكنك التقليد والتشبه بالثقافات الأجنبية كما تشاء ، لكن دعني أقول لك حقيقة ، نحن نضحك عليك سرًا ؛ لأنك تبدو يائسًا ،و لا تنسى “رحم الله أمرئ جب الغيبة عن نفسه”. مشكلة تقديم اللغات الأجنبية على لغتنا الأم مشكلة قديمة ، قال الأمام الشافعي :”ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب، وميلهم إلى لسان أرسطاطا ليس” ، فكرة الاختلاف مرعبة ، الناس بدأت تُغرب نفسها في وسط أهلها فقط لتتميز ، حتى التميز في زمننا هذا تغير معناه!
إذًا ما هو الحل؟ لقد تعودنا على طريقة الكلام تلك ، نتحدث فنختم حديثنا ب Thank you ، نتفاجأ فنقول Oh my god ، الحل الوحيد لن يعجب الجميع ، لكن حتى رسولنا الكريم حض عليه ” رحم الله امرأ أصلح من لسانه” ، التعلم من جديد ، اقرأ كتب بالعربية الفصيحة ، كتب صعبة بعض الشيء و ستستغرق منك وقتًا لتفهمها كاملة لكنه أقل ما يمكنك فعله لتكاسلك لفترة طويلة ، و ان كنت لم تتشوه لغويًا حتى الأن ، فتكلم بلسان واحد ( عربية كاملة أو إنجليزية كاملة).
:” يلا ماما قول thank you لل nice lady “
جيل شباب المستقبل ، تدمع عيناي في كل مرة أتذكر اني منه ، كنت طفلة والأن انا فرد بالغ يجب عليه المساهمة في المجتمع. كبرت وأنا اردد أغاني مثل : أبرقي أرعدي أبطالًا ، بالأخلاق النبيلة بالمحبة بالأمل نسمو ننتصر ، وهَلُمُّوا إليَّ تعالوا أنا صوت محبة تنادي و تدعو لخير الكل ، وغيرها من الأغاني التي وجميعنا نعلم تأثيرها الكبير على عقول الأطفال ، سمعت هذه الأغاني قبل خمسة عشرة سنة و حتى الأن اتذكرها ، كبرت ومخارج حروفي صحيحة و لدي من الثقافة ما يُرضي. والداي من جيل السبعينات حيث كان للغة العربية قدر و اغلب من حولي من قويي الشخصية عزيزي النفس الذين وجب التنويه بأنهم ليسوا قراءً جادين ،لهم مخارج حروف سليمة، فيمكنني وضع نظرية قابلة للنقاش بأنه من كبر على مشاهدة البرامج و الرسوم المتحركة باللغة العربية الفصيحة ، وضِع على الطريق الصحيح لتعلم اللغة.
فلنناقش نظريتي المطروحة، الأطفال الأن يكبرون على أغاني مثل Baby shark و تسمع لغتهم الإنجليزية أفضل من خريجي الجامعات ، أي لغة غير اللغة الأم ليس من الضروري أن تقتل نفسك لتكون كمتحدث أصلي ( إلا أذا كانت هذه وظيفتك) الهدف من اللغات هو التواصل و سيحصل بلكنة أو بلا . نعود لأطفالنا ، أمهاتهم إما من جيل التسعينات أو بداية الألفية ، كبروا على اللغة العربية في التلفاز لكن الغزو الفكري بأن اللغة الإنجليزية هي المستقبل، أدى الى حرص الامهات الشابات لدفع أطفالهم لتعلم الإنجليزية قبل العربية ؛ لأنك جاهل اذا لم تكن إنجليزيتك كمواطني أمريكا. ما يحزن أكثر ، هو رؤيتهم يفكرون قبل التحدث باللغة العربية ، و يصارعون السنتهم لنطق الكلمات و الأم خلفه تضحك قائلةً :” عربيته مكسرة ، حبيبي بس يجوف انجليزي”. لا يخفى عليك عزيزي القارئ كمية الدونية التي وصمت بها اللغة العربية ، ليس من الأجانب بل من ملتنا ، بل بالعكس أرى الأجانب يتغزلون عجبًا بجمال اللغة ، أما العربي فيقول :” لغة صعبة و لا داعي لقواعدها” .
قارئي العزيز دعني أخذك الى مرحلة طويلة من حياتي ألا وهي المدرسة ، (2007 الى 2017 )سنوات جميلة ، وخلال هذه السنوات فقط ، معلمة لغة عربية واحدة لمع أسمها في ذاكرتي ، مع أن حصصها عادية لكن لها معزة شخصية لدي ، لكن معلمات اللغة الإنجليزية أتذكرهن جميعًا ؛ لأن حصة اللغة الإنجليزية كانت أمتع حصة ، مواضيع مشوقة ، أنشطة ومشاريع مميزة ، المعلمة نفسها كانت نشيطة و مليئة بالمفاجئات ، وأيضًا بشكل غريب جميعهن صاحبات ذوق مميز في الملبس. أما معلمات العربي فكن كاللغة العربية التي تُدرس ، جامدات و أنهكهن النص الحجاجي المطلوب عليهن، عذرًا ، ولكن حصة اللغة العربية كانت وقتنا لحل واجبات الحصص الأخرى لأننا لا نطيق أن نسمع سردًا طويلًا مملًا. إذًا لماذا لا يكنَّ معلمات اللغة العربية بنفس حماس معلمات اللغة الإنجليزية؟ و لماذا يتم اختيار أكثر النصوص جمودًا لتدريسها لصغار السن ، نعم إذا اخترت تخصص اللغة العربية كمسار لحياتك ستمر بهذا النوع من النصوص ، لكن في المراحل المشتركة يجب اختيار مواد تفيد الطالب ، أيضًا كما الحال في حصص اللغة الإنجليزية حيث العربية ممنوعة ، يجب أن تكون العربية الفصيحة فقط المسموحة في حصة اللغة العربية. في المرحلة الثانوية درسنا في رأيي أصعب شيء مر عليّ في اللغة العربية ، الشعر الجاهلي، هل استفدت منه ؟ كلا ، انا لم اتخصص في اللغة كيف سأستفيد منه ، و ما يحزنني أكثر هو تعلمي الأن أن اللفظ الصحيح للمباركة هو مُبارك و ليس مبروك ، لماذا لم نُعلم هذا في المدرسة ؟ نعم ليس خطئًا جسميًا ، لكن من الجيد معرفة الاستعمال الصحيح للكلمات.
حمدًا لله لموت المُعرب
قبل سنوات قد تبدو بعيدة ، عندما كان هاتف “الأيفون” لا يُقارن “ببلاكبيري” ، ولدت لغة جديدة وهي المعرب. و للقارئ المحظوظ الذي تَعجب عند قراءة ذاك الاسم دعني أصدمك بتعريف هذه اللغة ، هي مزيج من الحروف و الأرقام الإنجليزية لكن تُقرأ بأصوات عربية ، مثال : shloonk , sha5bar ، عندما تقرأها ككلمة إنجليزية تبدو غير مفهومة لكن جرب أن تلفظها كالعربية. أتذكر حتى الأن عندما كنت في المرحلة الإعدادية و كتبت صديقتي كلمة على دفتري “A7bj” وقد حاولت قراءتها عدة مرات ولم أفهمها ، فسألتها وقالت أنه معرب ، احبك أيضًا يا صديقتي، لكن لِما؟ لم أفهم فكرة التهجين الفظيع للغة لا تحتاج الى أي نوع من التحسين، فمما درسنا أن التهجين شيء يُستعمل عادة في الزراعة أو الماشية لتحسين سِماتهما ، فهل لغتنا تحتاج لذلك؟
مات ” البلاكبيري” وماتت معه تلك اللغة ، أو بات أستخدمها ضئيلًا جدًا بل و إن وجد يوصف من يستخدمها بانه “Cringe” أو يعيش في الماضي. نبشي لملفات الماضي ليس هدفه التحسر أو النقد بل التذكير ، لان المعرب إن مات فلم تمت معه فكرة دونية اللغة التي أدت لخلق تلك اللغة ، بدليل ولادة لغة ” المكس العربي” و الخلط بين الإنجليزية و العربية. في تحقيق صحفي أُقيم في السعودية ، ظهرت النتائج بأن كما في حال “المعرب” بإن الفئة الأكثر استخدامًا للغة المخلوطة هم الشباب و عللت بتعليق لهذا التحقيق الدكتورة منى بقولها :” الواقع يقول بأن الناس تتفاصح بغيرها حتى لو لم تكن تملك من اللغة الإنجليزية إلا please و Okay”، أي تنطقها بطريقة التي تظهر التمكن، كنا نقول شوكولاتة ، والآن تقول تشوكليت، وتقولها بملء فيها ، هذا يعني التفاصح، وهذا يعني الانهزامية المؤلمة”. ذكرني كلام الدكتورة ببداية بحثي عن هذا الموضوع ، فأينما أولي وجهي للبحث عن اللغة العربية يتكرر هذا المبدأ بأن ترك اللغة انهزام مهما كانت الأسباب، لنعد لمثال “البلاكبيري” ، الهاتف نفسه لم يكن يدعم اللغة العربية بشكل كامل ، لذا ابتدع شبابنا الخلاق هذه اللغة ليُكيفوا انفسهم وفقًا للهاتف ، بدل أن يختاروا هاتف يدعم العربية لتكون نقطة ضغط على الشركة المصنعة بتطوير هاتفهم ( لربما طوروه لاحقًا ، صدقًا انا لم أمتلك ذاك الهاتف و بنيت تصريحاتي وفقًا لمحرك بحث “Google” ) .
حُرِبت اللهجات ، الأن نتمنى سماعها
سابقًا كنت امر بمقالات كتبها متخصصو اللغة ، كانوا يُهاجمون تعدد اللهجات و كيف أنها نسخة دونية من اللغة الأصلية ، والأن نتمنى أن تعود اللهجة النظيفة الخالية من الأجنبية. بعدما قرأت و مما فهمت ، هناك نظريتان تعللان أسباب نشوء اللهجات : الأولى هي التأثير المجتمعي من نواحي سياسية ، اجتماعية ، حضارية و جغرافية ، أما الثانية فهي تنبع من حقيقة اختلاف الألسن ، لأن ليست جميع الدول العربية حاليًا عربية في الأصل. أما النظرية الأولى فتذكرني كثيًرا بالجزائر ، الاستخراب الفرنسي لأكثر من مئة عام و حرمانهم من استخدام العربية ، أدى الى تكون لهجة قد تكون غير مفهومة للعرب الأخرين، لكن عندما أفكر فيها أكثر ، فالجزائر أيضًا ينطبق عليها النظرية الثانية بأن العربية ليست أصلها بل الامازيغية ، فهل النظريتان تُكملان بعضهما؟ ( اترك هذا السؤال للخبراء في المجال ). مهما تعددت الأسباب لنشوء اللهجات عودتها أصبحت لِزامًا علينا ، فهي على الأقل خطوة أقرب للعربية الفصيحة، و في رأيي المتواضع جدًا ، أرى أن تعدد اللهجات تحت سقف اللغة العربية يعطي لكل دولة تفردًا تختص به ، لكن في نفس الوقت أدعو لأن تكون الفصحى هي الجامع بيننا في تعليمنا ، مؤسساتنا و تمثيلنا لأنفسنا في المحافل الدولية. و كلمة أخيرة أُخصصها لشرطة اللغة العربية أقولها بالعامية، ” خفوا علينا” ، علِمونا بحب و تواضع و لا داعي للأنف المرفوع و التحذلق المكروه عند تصحيحنا.
نلقاكم في السنة القادمة بإذن الله
اقتربت نهاية السنة الميلادية ، وعادةً في هذه الفترة نراجع ما حدث في السنة المنقضية. شخصيًا ، تغير الكثير منذ تخرجي ، و بشكل غريب مع رشة من الرعب ، تفتح عقلي على أمور لم أتوقع أن افكر فيها قط. يوم اللغة العربية كان في الثامن عشر من هذا الشهر ، ومروره عليّ هذه السنة مختلف عن باقي السنين، ابتعدت عن اللغة ، و كنت ذائبةً بين ثنايا “كرواسون” الزبدة الفرنسي بينما أتعلم لسانهم و أُرخي لساني. لذا و تحقيقًا لأهم أهداف هذه المدونة ، على قائمة اهداف السنة القادمة ، التي سأشارك نجاحاتها معكم ، سأُحسن من لغتي العربية بالقراءة المكثفة، التعلم الصحيح ، وأهم خطوة تطبيق ما تعلمت ، لذا أتمنى ان تحصدوا ثمار التطور بتحسن أسلوبي و لغتي في كتابة التدوينات. عزيزي القارئ ، ها أنا وضعت اللغة العربية في أعلى قائمة أهدافي ، أريدك أنت أيضًا أن تقوم بالفعل ذاته ، إن كنت أبًا أم أمًا ، شجع أبناءك على القراءة أو اقرأ لهم ، ان كانوا صغارًا على القراءة ، احرص على مشاهدتهم لبرامج تستعمل اللغة العربية الفصيحة. أعزاءي المعلمين و خصوصًا مُعلمي اللغة العربية ، أعلم أنَّ المناهج صعبة و الضغط الوظيفي أصعب لكن أهميتكم لا تقدر بثمن ، خذوا صفحة من كتاب التعليم باللغة الإنجليزية و لطفوا الأجواء في الحصص ، اجبروا الطلاب على استعمال اللغة العربية الفصيحة حتى و إن كان الوضع كله ضحكًا في الحصص الأولى، سيعتادون في النهاية ، شاكرين لكم جهودكم و لن يُنسى لكم الفضل إن تحسنت اللغة العربية للجيل الحالي.
المصادر :
- كتاب الآثار التربوية لدراسة اللغة العربية – خالد بن حامد الحازمي
- “اندثار اللغة العربية” وتأثير اللغة الأجنبية على الفرد و المجتمع – إعداد: مرام المسعودي ، شيماء الدايل، عائشة السماعيل، هند القحطاني، فاطمة الحرز.