ثلاثون يومًا، الهرب من ماذا؟

ثلاثون يومًا مجازية، رحلة خططت لخوضها في ثلاثين يومًا لتنقلب لرحلة الشتاء والصيف. هذه الرحلة أظهرت أضعف ما فيي؛ الالتزام. لذا سأشارك هواجس هذه الرحلة لعلها تكون رحلة الوصول وغاية العقول.

 اليوم الأول:

البدايات سهلة جدًا، مليئة بالأمل الممتزج بالشغف. تستخف بما وضعت لك من تحدي؛ لأنك لازلت على الأرض و لم ترتفع. تستحضرك في كل لحظة تلك التذكيرات والشعارات الرنانة، قد يتخللها لحظات من السُكنى لأن ما من مُلهي يُنسيك مرور الوقت.

اليوم الثاني:

النوم. الحل لتجنب كل ما تكره. في رحلتي المتواضعة، أُحاول بكل ما أوتيت من قوة تفادي الطرق المختصرة، لكن عندما تأخذ شيء يُسعد -يُنمل- عقلك مؤقتًا يغضب فيذهب الى وضع السبات ليعاقبك. لن يطول غضبه؛ فمردُ النائم أن يستيقظ ودروب الارضاء عديدة.

اليوم الثالث:

محاولة العودة لما يؤذيك فقط لأنك اعتدت عليه، مُلخص شعوري اليوم. جسدي في وضع الصمود لا الانجاز، يُريد الوصول لنهاية اليوم ليعده انتصارًا. تراجعت للأسفل لكنني امسكت نفسي حتى لا أسقط، عصف عقلي بصرخات التأنيب وهمسات الحسرات، لكن بين لحظات الصمت تلك، قال لي أخي، لا عالمًا بحالي بل مُقترنًا بمشاعري: من ترك شيئًا لله، عوضه الله بخير منه.

اليوم الرابع:

أين ذهبت؟

ضعت بينما أبحث عن نفسي، انغماسي القديم تحول لشيء جديد. هل وعيي يكفي لأمضي في طريق النجاح أم هنالك مُكوّن أخر يخفى عليّ؟ النظر والتأمل لتقويم نفسي رفاهية؛ لأن غيري يُجبر على التغير بلحظة ليتجنب الخطر.

اليوم الخامس:

العائلة هي الداء والدواء، النقيضين الأولين في حياتك الازم تصالحك معهما. قد تكون أكبر همومك هي عائلتك، فإما أن يكونوا سِندان يسحبك للقاع أو منطاد دافئ يرفعك لأعالي البِقاع. جلستي تلك مع عائلتي الممتدة تكررت بنفس التاريخ قبل سنتين، عندها اخرجت ورقةً صغيرة وكتبت أهدافًا كبيرة لخريجة صغيرة. الان هي ضائعة كبيرة، لم تحقق أي هدف بشكل كامل، بل انغمست فيهم، وغرقت كالنملة الصغيرة في مرطبان العسل؛ سعيدة بالسكر، مخنوقة باللزوجة. سنتين، مخيف كيف تغيير وعيي رغم بساطة انجازاتي، أ عُلاي مستحيل الوصول أم عيني ضيقة عن لذة النجاح؟ يُتبع..

اليوم السادس:

فكرت بالنجاح كثيرًا ناسيةً أني ابتعدتُ عن الأحبابِ، فجوابٌ على ما سألتُ نفسي: نعم لا يُشبعُ الضائعُ أيُ غذاءِ. عُدت الى رُكني حيثٌ الالفة والامان، لكن لا ضحكات تؤنسني من وحشة الهدوء بعد الانشغال. أنا ما بين حبي لهذا الهدوء والاطمئنان، وسعادتي بالرعاية والامتنان. كنتُ بينهم يُحتفل بكل خطوة كنجاح، أما هنا فلا تُكلمنا حتى تصل لأعالي الجبال. ممتنة لأن لي ذكريات؛ لأني من غيرها كائنٌ ينتظر مُضيَ الحياة.

اليوم السابع:

جمعينا نحاول فهم الحياة، كيف أجعلها كلها لي ولا يومٌ فيها عليّ. لكن كيف لنا أنّ نعرف هذا لنا وذاك علينا؟ كثيرًا ما اراجع بعض المواقف المضادة لأهوائي لأرى أنها اللبنة الأولى للسعادة التي تمنيتها. الحياة، يومٌ لك وغدٌ لك ومستقبلٌ لديك.

اليوم الثامن:

قيل، الهدف هو ما يوقظك صباحًا؛ كلما وضحت رؤيتك زادت همتك. اهدافي تزدادُ يومًا بعد يوم أما وضوحها فهو مقرون بالحال؛ فيومٌ أزهد بحياتي واترك تدبير الحال لمدبر الأكوان، ويومٌ اسعى لأن سعيُنا سوف يُرى. الآن أيُها التزم؟

اليوم التاسع:

لكلٍ وقته فلا تستعجل. هذا ليس يومكَ ولا حتى ساعتك، ربما غدًا هو نصرُك أو الذي بعده. اسعَ وحاول ان تنسى النتيجة لتستمع بالطريق، فلا تغفو لتستيقظ على نتيجة تسعدك للحظات مقابل ضياع سنوات.

اليوم العاشر:

” تعيش روحي حياةً لا يعيشها جسدي”

هذا ما قالته لي زميلتي في العمل اليوم راسمةً جسدًا تنفصل روحه عنه. لو كنت أنا لكن قبل عدة سنوات لقلت لها المعتاد: يجب أن تجدي نفسكِ، أنت في المكان الخطأ، إلى آخره… لكن في زمني هذا ضحكت -في سري- فتيات غ🍉زة من جيلي يبحثن عن ليلة نوم هانئة، وهنا تعبنا من عدة شكاوى ومدير صعب. كانت أمامي تُقلب في صورها القديمة تتغزل برونقها قبل هذهِ الوظيفة و أنا خرساء، فمن يُريد أن يسمع الحقيقة؟

اليوم الحادي عشر:

ها أنا ذا، أُنافق كغيري. ادعوا للبساطة بينما تتقلب عيناي لمن يجهل عاصمة السويد أو لم يقرأ للمنفلوطي، أختار للبساطة عنوان: الملابس وجميل الحال، لكن أنقد على بسيط الفكر وقليل الاطلاع. من أنا؟ فقبل عدة سنين كنت أسوء من ابن الخامسة في العلام، والان أرى نفسي أعلَمَ من قوي الهمة معطي الحب والحنان، صاقل العقل، مُهذِب الخلق ومُعلمي الأول على الإطلاق! أأسف على نفسي قبل أن آسف لك؛ فحكمتك وسعتني وتحملتَ خيلاءَ طفلٍ حفِظ كببغاء.  

اليوم الثاني عشر:

أكرهني لخُلقي، أكرهني لفكري، بل حتى أكرهني لديني، لكن لا تكرهني للوني. لا تقل: أكرههُ لأنه من ” الجنسية الفلانية” بل قل: هو غير مهذب قليل الهمة ضعيف الإيمان. استشفائك به مستعملًا هذا الأسلوب هو دليل ضعفك ودنو خُلقك، بمجرد أنك بدأت حديثك هكذا سقطت شهادتك فيه وإن كانت حقا، كيف أصدق كلمة من يرى لونًا قبل أن يرى عقلًا. لم يُفرق بيننا سيد الخلق صلوات الله عليه وسلامه، فمن أنت؟

اليوم الثالث عشر:

الممثل العالمي “دينزل واشنطن” -رغم تصريحاته التي قذفته مباشرةً خارج مجرة إعجابي- قال جملة عظيمة: بدون الالتزام، لن تبدأ أبدًا. ولكن الأهم من ذلك، بدون الاستمرارية، لن تنتهي أبدًا. أنا بدأت لكن لن أنتهي، الانتهاء مما أنا فيه الان يعني أمرًا واحدًا: الروح فاضت و “الرية” خارت.   

اليوم الرابع عشر:

أخطط ليوم لا أنجزه. يحتار عقلي بوابل الأهداف لأملئ تلك الورقة الصغيرة، تلك الورقة التي سأرميها وسط اليوم غضبًا لأنني لم أنجز أي حرف منها. أضحك على نفسي فأنا المؤمن الذي لا يُلدغ من غيره مرتين لكني أُلدَغ من نفسي ألف مرة.

اليوم الخامس عشر:

تمنيت لو أجد من يقرأني كما أقرأ الناس. الكثيرون يقولون لي اني أقرب للحلم عندما يأتي الأمر للتواصل و الحديث، أنا أقرأ تحركاتهم البسيطة، أرفع يدي عندما يرفعون، أضحك عندما يرغبون، و أناقش تلك المواضيع التي يتمنون أن تُفتح و لو عرضًا؛ لكن أين قارئي؟ أين ذلك الشخص في حياتي، هل انتظره أم أواصل التسلل بين كلمات البشر لأضع كلماتي واستدرجهم بالحديث ليسألوني عن اهتماماتي؟

اليوم السادس عشر:

الهرب من ماذا مع علامة الاستفهام تدل على سؤال احتاج إجابة له، وأظن أنك يا قارئي العزيز وجدت أجابتك: هي تهرب من نفسها.

لا ونعم؛ ليست أقوى إجابة لحبكتي “الدرامية” أن أقول نعم فقط فهذا سهلٌ جدًا، لكن قول لا هو نصف الحقيقة، فنفسي أيضًا عليها عتب. هنالك شخص فعلي أحاول الهرب منه لكن مشكلتي الى أين؟ ما أتفه مشاكلي.  

اليوم السابع عشر:

أنت هناك وأنا هنا، هل تراني كما أراك. لا لقيتُك جسدًا ولم أكلمك حرفًا، لكن لا نقاش لي مع غيرك ولا وجهٌ أحبهُ سواك. ارفع يدك بين الجموع دعني أُشير، أريد أن أقول: هذا هو البشير، عطيةُ الرحمن للصابرين. لربما وقتُنا لم يحين، لا أنت قريب ولا أنا أُطيق.

اليوم الثامن عشر:

قابلت أشرس محارب في هذا الزمان، محارب لا يهاب كبيرًا ولا يرحم الصغار. مهما نسيته يستل سيفه ليجرحك بكل أناة، لا يقضي عليك بل يهوى الاستمتاع بالآلام. من هذا الضاري تسألون؟ هو أمسٌ والبارحة وقبل سنون. الماضي الأليم الذي منه تهربون، لذا سأقف، ومنه سأقتص حقي وليقل عني مجنون!

اليوم التاسع عشر:

قال أبو العتاهية:

نأتي إلى الدنيا ونحن سواسية

طفلُ الملوك هنا، كطفل الحاشية!!

ونغادر الدنيا ونحن كما ترى

متشابهون على قبور حافية!!

أعمالنا تُعلي وتَخفض شأننا

وحسابُنا بالحق يوم الغاشية!!

حور وأنهار، قصور عالية

وجهنمٌ تُصلى، ونار حامية!!

فاختر لنفسك ما تُحب وتبتغي

ما دام يومُك والليالي باقية!!

وغداً مصيرك لا تراجع بعده

 إما جنان الخلد وإما الهاوية!!

اليوم العشرون:

اللهُ يغضب إن تركت سؤالهُ. يا الله وإن شرد عقلي، زل لساني، فتر قلبي، فإن روحي معلقة بحبك ونفسي تستحي من عطائك. أعطيتني فنظرت للنقص، ابتليتني فتكبرتْ، سهوتُ فسامحتْ. رزقتني بخير عبادك ليهدوني وكنت لهم شقيا، وهبتني ضميرًا يؤرق منامي لكني كنتُ نسيا. ربي إن طال ذنبي فقصرّه وإن كبُر رأسي فأكسره؛ فأنا لم أكنْ ما لم تجعلني أكون.  

اليوم الواحد والعشرون:

إن كنت تريد أن تناقشني لتفوز، فدعني رحمك الله. أنا أتعافى من هكذا مرض، علة مُورثة وما أصعب “الجينات”. إن ابتغيت أمرًا فتعال نستأنس بعلوم بعضنا؛ فأنت لك عينٌ لم تطأ عقلي ولي عينٌ لم ترى عقلك. رجائي -ولو أن لي تحفظات لرجاء البشر- دعني أخض معركتي ولا تكن تمديدات العدو لخسارتي.  

اليوم الثاني والعشرون:

لا أرى عيبًا في فشلي، لكني أرى اشمئزازًا من همتي. عندي ما عندي و بالتسويف أختبئ و أضحك على كسلي. لا خطر أقول، لأني لا أؤذي غيري؛ كأن نفسي لا ترتقي لمستوى جاري.  

اليوم الثالث والعشرون:

مرَّ عليّ مقطع لفيلم لم أشاهده للمثل العالمي “روبن ويليمز” واللقطة كانت بسيطة جدًا، هو يتوسط المقطع بلحية رمادية وعينان تقولان شيئًا يعجز اللسان عن تصدقيه فيكذب قائلًا: إذا كنت مكتئبًا قل شيئًا ولا تبقها بداخلك. نجح الفيلم، لربما أنقذ عدة اشخاص مُنعمين ببركة تصديق اللسان والغفلة عن العينان، بينما صاحب النصيحة التمثيلية اختار يومًا لم يُشارك تاريخه؛ وغادر.

اليوم الرابع والعشرون:

كنت ضائعةً بين هذهِ الأبيات للحلاج: 

وَاللَه ما طَلَعَت شَمسٌ وَلا غَرُبَت

إِلّا وحُبُّكَ مَقرونٌ بِأَنفاسي

وَلا خلوتُ إِلى قَومٍ أُحدِّثهم

إِلّا وَأَنتَ حَديثي بَينَ جُلّاسي

ولا ذَكَرتكَ مَحزوناً وَلا فَرِحاً

إِلّا وَأَنت بِقَلبي بَين وِسواسي

ولا هَمَمتُ بِشُرب الماءِ مِن عَطَشٍ

إِلّا رَأَيتُ خَيالاً مِنكَ في الكَأس

وَلَو قَدَرتُ عَلى الإِتيانِ جِئتُكُم

سَعياً عَلى الوَجهِ أَو مَشياً عَلى الرَأسِ

ويا فَتى الحَيِّ إِن غَنّيتَ لي طَرَباً

فغَنّنّي واسِفاً مِن قَلبِكَ القاسي

مالي وللناسِ كم يَلحونَني سَفَهاً

ديني لِنَفسي ودينُ الناسِ لِلناس

اليوم الخامس والعشرون:

لحظة ضعف. في رحلة التغير يهفو عقلك فتخرج نفسك القديمة لتتولى زمام الأمور، و يا ليتها تركت السفينة تغرق و لا أن تعيش مُسومة بالهموم. كأنني أكبحُ شيطانًا داخل غرفة ،و مخرجه الوحيد باب أحكمتُه بجسدي ، يرتجف بين الحين و الاخر كلما خارت قواي فتراه يمدُ يدًا أو يُخرج ساقًا. تسأل، لماذا لا أحكم إغلاقه بقفل؟ لأنني أريد أخراجه يومًا لإنهائه دهرًا، حتى ذلك اليوم دعني أتعذب قليلًا. 

اليوم السادس و العشرون:

أ فاقدُ الشيء لا يُعطيه؟

يعطي ما فوقه. وما بين يديه و ما خلفه.

أخي لم يُعطى ولكن أعطى. سعى و لم يُسعى إليه؛ لكنه لم يثنى! لم تُغييرُ طِباع ولم تُقيسه أوجاع. أحبني مهما بالغت ومدّ يده مهما أخطأت. لا يُحب أن يوصف بالظرف اللطيف، لكن اعذرني، فكلنا نُحب الرجل الرهيف❤️

اليوم السابع والعشرين:

لسنوات طويلة التزمت ثم سقطت غرقًا، لا أبقي طويلًا، أعومُ صعودًا فأدفعُ نزولًا. دفعني عمدًا؛ فهو لا يقوى على رؤية أي نجاح غير نجاح نفسه! هل لُمته؟ نعم لسنين عديدة، لم استفد حقًا. لكن الان بعد الغرق طويلًا طورت “خياشيم” أنستني هواء السطح، فمتى أعود ومتى هو يمو …ت. لربما تطول بنا السنين ومالي غير نظرية الكأس الفقير، المملوء نصفه و المشروب نصفه الاخر، بسببه تعلمت التنفس بحالين و سنرى كيف سيُقابل رب الثقلين.

اليوم الثامن والعشرون:

أنا ليومنا هذا لم أعش بل هربت، في كل يوم كان لدي سبب لأهرب. ستكون الاجابة الدرامية أن أقول كنت اهرب من نفسي؛ لكنني كنت أعود إليها في آن الوقت. خلال هذهِ الثلاثين يومًا -التي لم التزم بهن- سألت نفسي متى سأحيا قبل أن أمو…ت؟ لقد سئمت، كنت أصغر عقلًا فأكبر عذرًا لكن الان لا عذر إلا الجُبن وحاشاني منه. من هذا الذي أهرب منه، رعديد يتغذى على خوفي، هذا وعدي له وسيكون شر وعيد: تخطاني وعش، فخيوط صبري ليست من حديد ومدى أذاي ليس بقصير.  

اليوم التاسع والعشرون:

 رحلة استمرت ضعف ما خُطِط لها، رحلة الثلاثين يومًا أصبحت المائة وإحدى عشر يومًا!

لكنها انتهت. في رأيي خيرُ البدايات أضعفها؛ لأنه يقلل الضغط على البدايات الأخرى. ليس من عادتي أن أكون زهرة التفاؤل وسط حقل الخذلان الداخلي، لعها نتائج هذه الرحلة. هنالك شيء ما تغير بداخلي لم اترجمه حتى الان، ما زال شعورًا أخرسا. أنا حاليًا مع ركب قطار التغيير، إن أحببت اركبْ؛ إن لم ترد فمحطة الانتظار ستُدفئك ليحين الرحلة القادمة.

أخيرًا، اليوم الثلاثون:

كتاباتي عادةً لا تلاحقني، أحررها من داخلي على هذا الورق “الرقمي”، لكن هناك جملة دائمًا تستحضرني (ابدأ حتى لو كانت أيامك كلها بدايات). هذه الجملة البسيطة كانت تحت أنفي لوقت طويل لم أعي أنها القاعدة المثالية لحياتي. البدايات هي التي تعطينا الطاقة للمضي بأي عمل، إذًا لما لا أعامل أيامي كلها كأنها بدايات؟

الان بعدما وصلت لهذا الاستنتاج ستُعفيني هذه الجملة أرق الليالي وتحنو عليّ بلذة الإنجاز.