اعتدلت في جلستي على ” الكَاوَنْتَر” فنظرت لي والدتي بابتسامة وقالت: راح يشتغل المسجل، ضحكت وقلت: هل شعرتي يومًا بأنك متأخرة؟ بأنك وصلتي لهذا العمر ولم تنجزي شيئًا؟ توقفت والدتي عما كانت تفعله وقالت: نعم، ولكن شنو بأيدي، الحمدالله، انتي حسيتي بيه؟ ضحكتُ بانفعالية شديدة: دائمًا، عادت امي لعملها وبدأت بالإنصات.
- هل تأخرت في حياتي؟
اعتراني هذا الشعور مؤخرًا ولازمني لفترة طويلة لقرابة الستة الأشهر وهي بالضبط المدة التي مضت على تخرجي من الجامعة فهل كانت مصادفة؟ بحثت كثيرًا عن أسباب هذا الشعور فلم أجد الكثير فحاولت أن أترجم مشاعري وأتمعن فيها لكي اخرج بأسباب أدت لهذا الخوف ومحاولاتي للتخلص منه.
- اختيار المسار التعليمي
دخلت في تخصص جامعي ولم يُلائمني لكني الان انا في السنة الثالثة كيف سأبدأ من جديد؟ بالتأكيد سيُقال لي: الان استوعبت بعد مضي كل هذا الوقت؟ لم يتبق الكثير فقط انهها بأي وسيلة ثم قم بما تحب لاحقاً (ما قلته لنفسي وتحقق) والكثير الكثير من التعليقات منها السلبي الساخر ومنها المنطقي المؤلم، فما هو الحل؟ هذه تجربتي وسيسعدني ان أشاركها:
درست لمدة خمس سنوات تخصص لم أكرهه، ولكن لم احبه كثيرًا وخلال فترة الدراسة وخصوصًا في السنة الثالثة راجعت نفسي كثيرًا في هذا الموضوع، هل أريد الاستمرار ام أُغير هذا التخصص وطبعًا اخترت الاستمرار خوفًا من تضييع الوقت، هذه الرحلة كلفتني خمس سنوات من عمري لستُ نادمة عليهم لكن بالتأكيد هن عامل مهم لتفاقم هذا الشعور، لذا انصح وبشدة أي قارئ لهذا الكلام ان يختار بحرص مساره التعليمي القادم. أما بالنسبة لأعزاءي العالقين وكانوا تمامًا في موقفي ذاك انصحكم بالدفع نحو الأمام وتخرجوا بتلك الشهادة عندها يمكنكم البدء بشيء جديد، لأنه مع كل سلبيات ما مررت به الان بعد التخرج لا اتخيل نفسي في تخصص اخر حتى ولو احببته بصدق لكن بدايةً من نقطة الصفر، فالان إذا اردت بدء شيء جديد سيكون لدي خلفية وخبرة في موضوع اخر فيُصبح بهذا وسادة أمان لي وسأدرس ما أحب بشغف أكثر.
أعطي تخصصك الحالي فرصة، غير منظورك تجاه، ضع قائمة بالأشياء التي تحبها في التخصص الأخر وقارنها بتخصصك الحالي لربما تجد الكثير من العوامل المشتركة، يمكنك التحدث مع اشخاص ناجحين في تخصصك فيغيروا نظرتك تجاهه.
كل ما سبق قوله هو دفعة كبيرة لمن وصل لمراحله الأخيرة من مساره التعليمي، اما إذا كنت في بداية المسار ولم يعجبك غيّره فورًا!
توجهت أيضا في عملية بحثي لوسائل التواصل لأرى وجهات النظر تجاه هذا الموضوع خصوصًا فرأيت الكثير من الآراء تحض الطالب نحو الالتزام بالتخصص الحالي وكانت الأسباب المذكورة مقنعة كثيرًا، منها: الخسارة المالية التي ستتكبدها، والتأخر عن التخرج مما يؤدي للتأخر للحصول على وظيفة. أما من منظور اخر، توجهت اراء أخرى نحو المضي قدمًا وتغيير التخصص في أي مرحلة حتى لو كانت السنة الأخيرة، لان ملاحقة شغفك و طموحك فوق كل شيء.
- الخوف من الانغماس وتفويت اللحظة
هناك مصطلح جديد نشأ مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي وهو (FOMO) الخوف من تفويت اللحظة، نشأت هذه الظاهرة بسبب المشاركة اللحظية لكل شيء على مواقع التواصل الاجتماعي فيعتريك هذا الشعور أنك فوت عليك الكثير من الأشياء عندما تشاهد غيرك يفعلها. هذا النوع من الخوف يزرع فيك الوحدة، التوتر والنقص مما يؤدي الى التقليل من انتاجيتك، بل وطبقًا للدراسات سيؤثر على جودة نومك، حالتك العقلية والجسدية بالإضافة الى تراجع في مستواك الأكاديمي. شخصيًا هذه الظاهرة قد تكون جوهر بحثي في هذا الموضوع، لان كل المشاعر السابق ذكرها اعترتني ولم اعرف سببها لكنها في الحقيقة اعطتني دافعًا للبحث في داخلي عما اريد فعله حقًا، لا بأس ان تشعر بالخوف من التأخير لكن لا تدعه يُعِقك عن عيش حياتك، حلي لهذه المشكلة كان باتخاذ خطوات صغيرة لكن مستمرة نحو التحسن، بدأت بحذف بعض تطبيقات وسائل التواصل التي لا تفيدني، وضعت جدول أيام الأسبوع امامي وملئت كل دقيقة منه بشيء افعله؛ لان الفراغ حقاً هو ما يدفعك نحو هذا النوع من المخاوف، انت لا ترى انسانًا مشغولًا يقلق من هذه الأمور.
- الانشغال بالمقارنة
كلي ثقة بأن هذا العامل كان الشرارة التي اشعلت خوف التأخير فيّ، اتأمل من حولي فأرى إنجازات وتقدم فأشعر أني لم أحرك ساكنًا ثم أغفل لفترات طويلة عن حقيقة مهمة الا وهي انَّ لكل شخص عمل معين يعُده إنجازًا لكن غيره يراه شيئًا عاديًا. شاركت صديقتي المقربة هذا الشعور المطروح وكان ردها أجمل ما يكون، قالت لي: انتِ تشعرين بأن الجميع من حولك يتقدمون وانتِ ثابتة في موقعك لأنهم يُعظمون كل فعل يقومون به، يعطون كل تغيير في حياتهم قيمة كبيرة لذا عليكِ ان تفعلي ذلك، وبالطبع سأقول لك النصيحة الكلاسيكية توقفي عن المقارنة، لكل شخص طريقه و ربُ العالمين كتب لكل انسان دربه الخاص ليمشي فيه، ركزي في حياتك وستشعرين بالتغيير انا واثقة من ذلك.
- الكسل
يمكنك كتابة هذه الكلمة فقط وستحصل على الالاف من النصائح عن كيف تتخلص منه او كيف تتجنبه او حتى كيف تبدع فيه، لكن كيف يدخل الكسل في مشكلة الخوف من التأخر؟ ببساطة عندما أكون كسولة لن أقوم بفعل ما خططت له وستمر الأيام بعدها الشهور وسأرى نتيجة هذا الكسل متجسدًا أمامي عندما لا أرى اهدافي تحققت نهاية العام. من بين المشاكل السابق ذكرها أرى ان هذه المشكلة هي أسوئهم لكن أسهلهم فالحل، لأني فالواقع بدأت اشعر بالتغيير في حياتي عندما بدأت بتطبيق نصائح ترك الكسل، فقط اكتب كلمة الكسل وستجد الكثير وما عليك الا التجربة حتى تجد النصيحة التي تناسبك.
– الدراسة عن مصطلح FOMO من موقع NCBI .
لقد أحببت كُل حرفٍ قُمتِ بكتابتهِ هنا لقد مر وقتٌ طويلٌ مندُ شعرت بمشاعر إيجابية عند القراءة ، شكرًا لكِ
المرة الأولى لا تُنسى أبدًا و أنتِ أول تعليق لي ، أنا سعيدة بأن كتاباتي أعجبتك و حمدًا لله بأن هدف التدوينة تحقق.