السنوية الأولى من جديد

عربيٌ أنا وهذا دَمي يشهدُ … خنوعي نقاشٌ فيه لا ألعبُ

نبذتُ شرائع السماءِ كلها … ورضيت بما يُملى عليَّ ويكتبُ

زائرٌ حازمٌ على نسوتي … ناعمٌ خاشعٌ في الحقِ دبيبُ

جودي يفيضُ بالشعر والدعاءِ … مادام مالي لن يُصيبهُ نصبُ

سيدٌ بعزيّ على من اجترأ … عبدٌ بروحي عندما تأتي الرتبُ

فباللهِ يا أيها الأحرار أعيروني … من جِلدتكم حتى أُمسي ويكون لي سببُ

الحمد الله على نعمة مرور الوقت وتحول الحال، فمن كان عاليًا متجبرًا عاد لأصله الصغير المُهان، ومن كان فقيرًا متواضعًا صعد لمكانته الفضلى بين خير الأنام. كثرت السنَويات عليكِ، أمرُ على اخباركِ مر الفقير المحتاج؛ لا يده تطول ولا جيبه يعول، يتعفف السؤال ويستنكف مال آل إليهِ من حال.  غريبٌ كم تغيير وعيي في سنة واحدة. كل هذه السنين مرت وهم على هذا الحال فهذا الاحتلال لم يكن وليد تشرين الأول بل أيار قبل سعبين عام! سطوري هنا ليست سردًا للوقائع فلا تبحث هنا عن أرقامٍ وأزمان، هنا محطة وقف لجلد الذات وتهذيب الملذات؛ إن كنت تبحث عن الحقيقية فهي أمامك لكنك تغض البصر عامدًا عالمًا مُدركًا للتبعات.

كامرأة ما هو واجبي في هذه الأوقات؟ طبعًا أي شيء سأفعله سيكون أفضل مما فعله الرجال بالفعل، فبماذا افادنا عويلهم على المنابر، هل أنقذوا بذلك الأطفال من أن يخسروا الحناجر.

حتى في أضعف الأعمال لم يُفلحوا، رضينا بنبذ النبال، لكن حتى تبرئة الذمة بقطع التمويل عن العدو واستبداله بتمويل أخينا ابن البلاد لم يقدروا عليه. هنا ظهرت المعادن، وانصهر المطلي ليظهر المغشوش، لم تصبر على القطع واشتهيت المُحرم تاركًا أصناف الحلال، بل بررت بأروع الأساليب فعلتك متحديًا فيها أي معارضٍ بوصفه بالمقلد لأي أمرٍ كان-ابدعت يا عزيزي في النشر والدفاع لتحفظ عرض الجبان وتركت العروض الأخرى تسيل جمعًا بلا حسبان.

الحمد الله على نعمة الأمان في أراضينا فلا تفكروا أني ادعوها للزوال، لكن كيف لجفني أن ينام وفتاة بعمري تخاف من أن يُصيبها حالٌ أسوء عليها من الممات. يشق عليّ تصديق دعائك للسلام أيها المحتال، فأبسط السهرات فضلتها على الآلاف الأرواح. لم تسمع صراخهم لأنك أُغدقت بسيل الفنون، غناءٌ و رقصٌ و عرضٌ للفتون. نسير خلفهم كالقطيع بلا عيون و نخاف أن نتركهم فنكون نحن المتشددون. الفن روحٌ، و مناجاته تشفي الصدور، لكن ما نراه الأن مُجون يهين العقول.

تحرر العبيد بعد الإسلام بل وحُرِم اتخاذهم. لكن دعه للمسلمين حتى يعيدوا أمجاد قريش، فنحنو فنانوا سرد قصص الأمجاد ومبدعو إعادة إحيائها بالإكراه. حُررنا فكريًا لكننا نحمل مفاتيح سجوننا حول أعناقنا فكلما احتدم نقاش أو ضاق حال دخلنا القفص وسلمنا المفتاح لأقرب عدو ليقطع الأوصال. اتركوه لنا لنجد ألف اختلاف بيننا و لنصبغ جلدتنا لنختلف عن اخ لنا في الإسلام، نحب الفرقة، فصنعنا منها ألفًا وكلٌ يصرخ فريقكم في النار.  

هل كُنت مثالية هذه السنة؟ قطعًا لا وهذا ما خسف بي. هائمة على وجهي لا افرح بنعمي ولا أحرك مواردي، في كل مرة أضعف، أسقط من نظر نفسي، وكأنها ماثلة أمامي تهز رأسها يمنتًا وشمالًا بإحباط، من يلومها فهي ولدت وعُلِمت فن النفاق ثم لاحقًا ستواري قيمُها التراب. في كل لحظة فرح أتذكرهم، هل فرحهم كفرحي؟ من يفرح بالماء الصالح للشرب كمن يفرح بكماليات الحياة؟ هل يستويان مثلًا. دعنا من موسيقى الحزن تلك فما يحدث هناك لا يمس ذبابة هنا، فلنركز على أعمالنا ونسير بخطى ثابته نحو المحتوم الذي ادعو اللطف فيه، فمحتوم عن محتوم يختلف، محتوم يسبقه خوف يحرمك النوم ويجمع ما بقي من روحك رويدا رويدا، يختلف عن سرير دافئ أو جلطةً عابرة.

حبيبي يا من تسكن بالقرب من شجرة الزيتون سامحني، ابكي دمعًا وأذوق دمًا. أضحك أسفًا ؛ فلساني طويل ويدي لا تطول، لكن قلمي بليغ و له نزعة جنون. أحبك وما الحب الا لقاء الروح قبل الجسد، لكن ما بال جسدك البارد أدفا من قلوب أغلب البشر؟ روحك حرة وأرواحنا تنتظر الفرج، محكومون بالمؤبد وأرضى بالعدم. لا تخبرهم عن سرك فهم لن يفهموا معنى الحياة بشرف.