أقرباذين هي كلمة فارسية معناها دستور الأدوية او Pharmacopoeia
هذه الحلقة هي ذكريات من أيام الدراسة..
لربما يكون مفاجئًا للبعض لكن كاتبة هذه التدوينات صيدلانية، وهو أبعد تخصص عن اهتماماتي ونقاط قوتي لكن ها أنا اجمع بينهما بكتابتي لهذهِ السلسلة اللطيفة من حلقات متنوعة تسلط الضوء ولو بمحيط قليل على وظيفة ينسى كثيرون انها موجودة. لإحقاق الحق، وجدت في هذا التخصص ما يمكننني ربطه بما أحب، التواصل المباشر مع الأخرين، التعلم عن مختلف الأشياء لكن بكمية بسيطة (في الصيدلة انت تدرس كل شيء عن بقية العلوم الطبية لكن ليس بتعمق شديد)، التنظيم (عندما اتوتر اذهب لرفوف الأدوية واعيد تنظيمهم) واهم نقطة تبقيني مستمتعة بهذا المجال هو الكم الهائل من المواقف الملهمة التي تحدث أمامي او معي بشكل يومي.
أنت تندم على ما لم تفعله أكثر مما فعلته
كلي ثقة عند قولي لهذا، لكنني نادمة على الأشياء التي لم افعلها أكثر من الأشياء التي فعلتها. خلال سنواتي الخمس المقضية في تخصص الصيدلة لم أشارك في أي شيء رغم اشتراكي بكل شيء أيام المدرسة، كنت اترقب الدقائق تمضي على شاشة هاتفي خلال المحاضرات لأسرع للمنزل حتى أنزوي في غرفتي وحيدة أقرأ او أشاهد شيئًا (عندها كنت لا أحب تخصصي ولم تطرأ على بالي فكرة الاستفادة من وقت فراغي). انه شعور لم اختبره مسبقًا، عادةً كنت اظن ان الندم يأتي بعد فعلك لشيء وتكتشف انه خاطئ لكن كان هذا أهون بكثير؛ فعلى الأقل اكتشفت نتيجة لشيء كنت اريد فعله، اما إذا لم افعله مطلقًا فلن اعرف ابدًا ما إذا كان جيدًا أم لا. سيكون جميلًا لو قرأ أحدهم هذا الكلام قبل مرحلته الجامعية لكي لا يعيد خطأي في هذا النقطة خصوصًا، جرب الأنشطة الجامعية، شارك مع الأساتذة عندما يطلبونها منكم تطوعًا و أهم شيء جرب أشياء مختلفة في وقتك الخاص بعد ساعات الدراسة (انا حقًا أندم على عدم بدأي لهذه المدونة مبكرًا).
أقولها بفخر “كنت الأطرش فالزفة”
أتذكر حتى الان محاضرتي الأولى وكانت (Pharmaceuticals) كانت اللغة الإنجليزية المنطوقة من قبل المحاضرة أصعب بمقدار الضعف عما تعودت عليه (عندها لم تكن لغتي الإنجليزية بهذه القوة التي كنت اعتقدها على الرغم من كوني طالبة متفوقة فاللغة) لذا قد قررت بأن مصيري سيكون الفشل لأني لم افهم كلمة واحدة مما قيل! خرجت من تلك المحاضرة ولأول مرة في حياتي شعرت بالغباء، الغباء الأكاديمي (مما يختلف عن الغباء تجاه أشياء قلتها او تصرفات قمت بها فهذا طبيعي) كان صدمة بالنسبة لي، نعم انا متيقنة تمامًا أنى لا اعرف ولن اعرف كل شيء في هذا الكون لكنني واثقة من إمكانية تعلم أي شيء في حال سنحت لي الفرصة. ضحكت كثيرًا على نفسي بعدما درست تلك المادة كنوع من المراجعة في سَنتي الأخيرة لأنها كانت أسهل مما أتخيل، رباه رعب المرة الأولى شيء عظيم وما زاد من صبري في كل خطوة جديدة صعبة تمر على هو التأمل في تلك اللحظة وكيف تخطيتها ونجحت.
زيفها حتى تتمكن منها
السنة الجامعية الأولى هي التعريف المثالي للذكريات التي تبقيك مستيقظًا فالليل من الاحراج! الجميل في هذا الموقف انه مر بسلاسة بشهادة زملائي الذين اشادوا على ادائي وتوِجت شهادتهم بأني حصلت على 9 درجات من أصل 10. كانت محاضرة اللغة الإنجليزية للتخصصات الطبية وقد طلبت منا الدكتورة أن نحّضر عرضًا تقديميًا لا يزيد عن عشر دقائق نتكلم فيه عن مرض عيّنَ لنا مسبقًا (كان موضوعي هو الزهايمر)، صممت عرضي وكان اللون المحوري هو الوردي (الأحراج الأول، أظن انني شاهدت فيلم “قانونيًا شقراء” قبل العمل على مشروعي) . لا اذكر تمامًا الترتيب المتبع للعرض لكن دقت ساعة الحسم عندما كان دوري، وقفت وانا اصرخ في داخلي انتِ مُقدِمة رائعة وماذا إذا كان عرضك الأول في الجامعة انها عشر دقائق فقط، وصلت الى مكتب الدكتورة وقد عرضت مشروعي على اللوحة البيضاء. بدأت بالتعريف عن نفسي وانا بكامل هدوئي ومرت دقيقتين بالضبط فشعرت انني أغرق، نعم لقد غرقت عميقًا في عرقي لأنني كنت ارتدي كنزة صوفية تحت عبايتي لأننا كنا في وسط ديسمبر لذا كان الجو باردًا لكن اظن اجتماع عاملين هما التوتر مع حجرة الصف الصغيرة والمكتظة بالأنفاس لم يساعدا. تحول هدفي من النجاح في هذا العرض الى الانتهاء قبل الذوبان، السعادة كلمة قليلة لوصف شعوري لحظة عرض الشريحة الأخيرة من عرضي التقديمي اخيرًا تفتح وجهي كلون مشروعي وانتهيت. عندما عدت لمقعدي هنأتني زميلتي ثم اشارت نحو عباءتي فاختنقت العبارات في حنجرتي (هل من المعقول انني تعرقت عبر الكنزة والعباية) نظرت نحو مكان اشارتها فإذا بها تقول:” لماذا ذهبتي بحقيبتك؟” نعم طوال عرضي للمشروع كنت ارتدي حقيبتي ولم أحس بها، اظن انني اقنعت نفسي بالظهور بثقة أكثر من الازم.
عندما بالغت مع بنت اليمن
صباح جميل، صباح امتحان منتصف الفصل الدراسي لمادة علم الأدوية المادة التي تحتاج لذاكرة تصويرية عظمية حتى تتذكر كل عائلات الأدوية و كيف ثم أين تعمل ولكي لا يسهل الموضوع عليك ربطها بالأعراض الجانبية وإن كانت تتعارض مع شيء أخر ( المادة تحتاج حفظ من الأخر) وقد قررت إتباع بشكل أعمى نصيحة مؤثرة على موقع التواصل الاجتماعي بشرب جرعة مركزة من القهوة دفعة واحدة قبل الامتحان لكي تساعدك بتذكر كل المعلومات المحفوظة ( أنا ..التي ترسل أصدقائها في رحلة عار في كل مرة يصدقون او يجربون أي شيء يرونه على وسائل التواصل الاجتماعي .. أخطأت وتعلمت لذا انا حريصة عليهم) تجرعت بثقة خطئي الجسيم الذي سأندم عليه لاحقًا ودخلت. مرت عشر دقائق فنصف ساعة وانا كسيارة سباق منطلقة بقوة على ورقة الامتحان لكن ما هي الا لحظات حتى بدأ جفني الأيمن بالارتجاف فحاولت التغاضي وتناسي وجوده، يجب على السيارة اكمال السباق، لذا قرر جسدي ان يصرخ مستغيثًا ليجذب انتباهي فأنظمت ساقي اليسرى للساحة، شعرت ببعض الأنظار تنصب على (وهل يُلامون؟ كنت امسك بجفني الايسر بيدي اليسرى لان القراءة أصبحت أصعب) لتكتمل الثلاثية العظيمة برجفان يدي مما دفع المراقبة لسؤالي ان كنت بخير، أذكر صوتي المرتجف وابتسامتي المائلة لنصف واحد من وجهي (كأنني الجوكر). كان هذا الامتحان الأطول في حياتي.
“وحدك عودٌ غضٌ وضعيف والجمعُ عصًا لا تكسر “
أظن أن ماوكلي لم يقم بالمشروعات الجماعية في الجامعة، لأنه سيغير قوله. المشاريع الجماعية في تلك المرحلة هي اختبار لمدى تحملك واحتوائك لغضبك، أنه همّ تحمله معك حتى موعد التسليم. لا أذكر الرقم الدقيق لكن دفعتنا كانت كبيرة بعض الشيء، لذا المشاريع الجماعية أسهل على الدكاترة في التقييم، لذا مررت بعدد لا بأس فيه من الزملاء وعملت معهم، كان بعضهم الجانب الإيجابي للدواء (صحتي تتحسن بالشغل وياهم) اما غيرهم فهم الوجه الأخر (الأعراض الجانبية المؤذية) وهنا سأعرفك على بعض أنواع الزملاء الذين ربما ستصادفهم خلال مسيرتك الجامعية (التاريخ يعيد نفسه، لذا طبعًا سيكونون موجودين في دفعتك). النوع الأول: يعمل ويتفاعل في البدايات لكنه سيسلم جزئه قبل الموعد النهائي بربع ساعة وعليك اما الثقة العمياء أو المراجعة السريعة التي وحتمًا ستؤدي الى جلطة قد تودي بحياتك (لذا سلم المشروع فالصحة أهم)، النوع الثاني: ” هل فهتم شيئًا؟ لم أفهم ما طُلِب منا” سأسهل عليكم واترجم المقصد الحقيقي هنا، اعطوني أسهل جزء فالعمل لأنني ” لم أفهم”، النوع الثالث: هو طالب غير موجود ولربما لم يكن موجودًا قط، سيرسل شيئًا له علاقة بتخصص أخر يُدرس في جزر الواق واق ولن يُضاف فالمشروع لكن سيبقى اسمه أنه عمِل معنا. النوع الرابع: هذا النوع هو الكرزة التي توضع على قمة الكعكة للتزين، فهو مزيج ممتاز من الأنواع الثلاثة السابقة ضف عليها ثقة عمياء بأن ما يفعله هو الصحيح مع تذكيره الدائم بأنه جاهز للمساعدة (ذر الرماد في العيون)، عندما تقرأ جزءه فالمشروع تُراجع نفسك ان كان هو في تخصصك ام وضِع بالخطأ هنا معكم، سيُذكركم دائمًا بأهمية التعاون وأننا كالبيان المرصوص يشد بعضنًا بعضًا (طبعًا لكيلا نخبر عنه ويرسب). قد يتراوح في اذهانكم هل انا أحد الأنواع السابقة؟ (أتمنى لا) انا النوع المنحوس الذي يقع مع الأربعة هؤلاء ويركض هنا وهناك لكي ينظم، يعدل ويُذكر لكن في الحلقة الأخيرة أكون الشرير الذي ضغطهم ولم يقبل بعملِهم. اختيار افراد المجموعة قبل البدء في مشروعٍ ما أهم من المشروع نفسه لذا رجاءً اختر بحذر ولا تنتظر لأخر دقيقة؛ لان من يبقون في النهاية سيكونون في فريقك ولو كانوا جيدين ما تُركوا للنهاية (إلا نادرًا).
ابتَسم بسلام، لقد تخرجت
قبل أسبوع من يومي الأول في الجامعة ذهبت مع والدتي لزيارة صديقتها الرائعة التي قالت لي ضاحكةً:” الأيام الجامعية هي الأروع أُفضلها بكثير عن المدرسة”، ظللت أردد هذه المقولة على مسامع صديقاتي قبل كل امتحان، عند كل محاضرة وخلال ساعات العمل الطويل على البحوث (كنوع من الصدمة وعدم التصديق لأنني وحتى الأن أٌفضل المرحلة الثانوية على الجامعة). لكن صدقًا لم تكن الجامعة بهذا السوء الذي توقعته، فقبل كل امتحان كان هنالك ضحكات وخلال المحاضرات استمتعنا بالمعلومات، انظر لتلك الذكريات وابتسم هذه هي خلاصة القول.