” لقد كنت مسلمًا عن تقليد، ثم أصبحت مسلمًا عن اقتناع”

قدم الغزالي الأصغر أراءً متنوعةً لعدة مواضيع بشكل مختصر، الكتاب مئتان وستون صفحة يمكنك قراءته في يومين، أود ان أشارك أكثر ما شدني في سطور الكتاب لعلها تشدك عزيزي القارئ لشرائه.
هذه تجربتي الأولى في مراجعة كتاب، لربما أحسنت البدء أو أضحكتم عليّ. بكلتا الحالتين أدعوكم لتوجهي فيما نقص أو دعمي فيما صلح. لا تستغرب قارئي العزيز إن قرأت مراجعتي ثم توجهت للكتاب لتتساءل: أقرأنا الكتاب ذاته؟ أنا أرى أننا نركز على جوانب أكثر من غيرها وفقًا لحاجتنا، وأيضًا، أنا ممن تجتاحُها العبرات والهواجس عند القراءة لذا استعد وأبقي عقلك منفتحًا.
هذه ليست المرة الأولى التي اقرأ فيها كتبًا فتسيطر عليّ فكرة: هذا ما كنت أفكر به دائمًا وكنت احتاج لمن هو أعلم منيّ ليثبت صحة أفكاري. أتمنى لو يُدرس هذا الكتاب كمقدمة لمناهجنا الدينية ولو لم يُحفظ لامتحان فقط ليُحرك الأذهان. شعرت بإن لغة الكتاب تأنيبية؛ كأنه المُرشد في الطابور الصباحي الذي تمنيت تأنيبه لقصوري بينما يضع كفه على كتفي ليأخذني لطريق الصواب. هو لا ينصحني كطفلة بل كراشدة؛ بلغة قد تكون قاسية ظاهريًا لكن ضرورية باطنيًا لعبور أبواب الحياة.
“لو كنت أمريكيًا أو أوروبيًا، أكنت اعتنق الإسلام؟”
كان هذا السؤال مخيفًا للوهلة الأولى لسببين: أكنت لأختار الهدى؟ والسبب الثاني هو أنه قبل قراءتي لهذا الكتاب بعدة أسابيع دخلت في نقاش رائع مع إحدى زميلاتي فسألت عين السؤال! دائمًا ما يسرح عقلي فأتحاور معه: أكنت لتختار الإسلام دينًا رغم تهويد أو تنصير والديك؟ تارةً أقول نعم كنت لأختاره؛ فلو ولدت بذات العقل هذا لقادني فضولي الطبيعي نحوه، فأدرسه، لأقتنع ولن يبقى إلا أهم مكون: الهداية من الله. وتارة أخرى يرد: لربما ذكائك نابع من إسلامك، ديني هو هويتي؛ يحدد قيمي ومساري، حتى العلم الذي ألهث نحوه شدني إليه التماسي للشهادة به.
لا أريد تضييعك قارئي العزيز، لكنني أحببت أن أشارك ما بعقلي حتى يهدأ، أما ما كتبه الغزالي فلا صلة له بما أفضت به.
أحببت النصيحة التي شاركها الكاتب حول الدعوة الى الله: “قد يكون الحق معك.. ولكنك لا تحسن الوصول به.. ولا تجيد الدوران معه حول منعطفات الطريق، لتتفادى المآزق وتتخطى العقبات وتبلغ به ما تريد. وقد يكون الباطل مع غيرك، ولكنه يلبسه ثوب الحق.. ثم يجيد الانطلاق معه حتى يصل به إلى حيث ينبغي أن يصل الحق”. من يحمل رسالة عليه التدرب لإيصالها، والعداء السريع هو العداء الفائز مهما كانت الرسالة المحفوظة في جيبه؛ لذا لندع عنا كذبة الحق صوته عال لذا لا داع للتكلم عنه، ولنتعلم الطرق السليمة والمفيدة لنشره حتى لا نُسبق فنعود لعادات الجاهلية باللطم.
رجال الدين..
كيف تتصور أصحاب الشهوات الطافحة أو الطوايا الخبيثة رسلًا للدين ودعاة للسماء؟ بعد قراءتي لهذه الجملة صرخت. عزيزي العالم بالدين، لو أفضت علّي بسيل العرم من إنجازات وشهادات وسندات، لن أسمع لك حرفًا و أنت روحك قذرة و لسانك شائن! من يصلح للعلم الشرعي؟ المعايير للمشيخة تدنت بشكل مخيف، لماذا يُجبر من يريد مزاولة تشريح قلوب الناس على تقدير امتياز بينما يُقبل بمن يقتل ارواحهم بمعدل مقبول!
“لصوص الجاه ممن يزهرون في غياب ضوء العلماء الحق لعزلتهم”، جملة تُلفظ لواقع يحصل، لبِس العمامة وتفصّح بالقول فاجتمعت حوله افئدة الطير – خيرة البشر معتقدين أنهم ينهلون من شلال العلم فإذا بهم يخرجون بلا حق و يا ريتهم حصلوا على باطل. هذا المشهد هو أهم سبب لسعيي المستميت نحو المعرفة؛ فأنا لا أريد أن أكون رقمًا يُرفع به منبر أو تُشيد عليه فتوى.
أدعو ولو لم تطلني هذه الدعوة أن تطل أحفادي بأن يتحقق قول الكاتب في: “التعليم الإسلامي يحتاج اعداد شامل يهيئ الأمة كلها للسير وفق نظام روحي وعملي رتيب، يجعل المدن والقرى، والشباب والشيوخ، متجانسين في سلوكهم العام ومثلهم العليا”. أيَضًا تعيين مدرسة للكتابة الإسلامية ولا أقصد شرح الفقه أو القرآن؛ بل أي عمل مكتوب بأيدي مسلمة في أي موضوع، فالدين لا يحده مسجد أو سجادة مهما اختلفت درجاتنا في التدين، يجب إيجاد ضوابط عامة لإثراء وحماية الأمة؛ فلا يصلح لأديب تراجيدي أو فنان لغوي أن يلهو بتفسير نصوص فقهية، وإن أحب إبداء الرأي فعليه تحمل النقد والتصحيح ثم التعديل، ليكلا تضيع الأمة وسط هذا الزحام.
الصوفية
أحببت الصوفية بعد مشاهدتي لعمل فني (الخواجة عبد القادر) مع الخلفية الموسيقية لعمر خيرت بكلمات الحلاج. لأول مرة أنفصل روحيًا لأشاهد عملًا ما، أما القصيدة بموسيقاها فلم أكِلْ منها يومًا! لا أفهم الصوفية جيدًا لكنهم على حد علمي أناسٌ روحانيون همهم الأوحد الترفع عن هذه الدنيا، لكن من سيعمرها إن انصرفنا جميعًا عنها؟ لو ترفع العالِم المُحق عن مجادلة العالِم المخطئ الى أين سيؤدي بنا هذا. ذهب الغزالي الأصغر لصفحات عديدة بذم التصوف ولا اختلف معه بتاتًا، لكن ربما اختلاف الزمان عامل؛ لأنه في وقتي هذا الناس تتهافت بجنون على الماديات ولو مدّ الله في عمره ليحيا ليومنا هذا لترجانا بأن نتخذ الصوامع لنا منزلًا والتصوف منهجًا، لأنه الآن لا دين يؤدبنا ولا خٌلق يقومنا.
الناس في وقتنا هذا فقدوا الوسطية، فإما أن تكون فقيرًا لقيادتك سيارة عمرها خمسة سنين أو غنيًا لشرائك أحدث هاتف. نحن ما بين عدم تقدير النعم والزهد عنها، يعطيك الله العقل لتبحث عن رزقك به، فتأخذه نحو أبواب التذمر علك تقتنص صدقة تأكل منها فتعيش فارغ الروح مليء البطن . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن القوم لمّا شبعت بطونهم سمنت أبدانهم، فضعفت قلوبهم وجمحت شهواتهم” . اعمالنا تُقسم على كفتي ميزان، ستقول: إذا دعني أثقل كفتي اليُمنى بالزهد والابتعاد عن كل شيء حتى لا أقع بالخطأ سهوةً منيّ، لكن ما حياة النقص التي ستواجه الله بها، كل هذه الصحة والفرص التي قُدمت لك ألن تحاسب عليها؟ أتظن أن جُبنك ورهبانيتك المبتدعة ستنقذك، لا تدخل في دوامات أكبر منك، لان الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، لكن أفعل ما في وسعك ولا تكذب على نفسك، فإن فعلت فأنه يراك وإن لم تكن تراه. المال ليس بعدو، و لا التصوف، بل الغلو بأحدهما فلا تُعين أحدهما ملكًا عليك بل أملك نفسك، شخصيًا أرى تصوفي في قولي أن أعبد الله كأنني أراه، و أحب سعيي للمال الحلال كوقاية و مساعدة؛ وقاية من مدّ اليد للسؤال، و مساعدة لمن لم يُكتب له نصيبٌ وافر في المال.
” ظلمنا الإسلام وظلمنا أنفسنا”
محبتنا لذكر أمجاد الماضي لن تختفي قريبًا، أما الاتعاظ منها فهيهات. فعّلَ الكاتب أسلوب أحب أن أسميه ” أسلوب الشُقيري” نسبة لأحمد الشقيري وبرنامجه العظيم الذي كبرنا عليه (خواطر)، قارن الكاتب بين تعامل العرب مع الثروات بالأجانب:” نعم.. نحن أغنياء أجواد إذا احتجنا الى متاع الدنيا، فأما إذا احتجنا إلى غذاء العقل والقلب، ففقرنا لا يعدله فقر”. لربما في أيامنا هذه قد تحسن الوضع قليلًا -للأسباب الخاطئة طبعًا- فأصبح ذوو المال ينفقونه على أوجه حسنة -وإنما الأعمال بالنيات-.
مررت بعدة صفحات و راودتني هذه الفكرة: نظرية المؤامرة، في كل مرة يتحدث فيها صاحٍ عاقل عن الحر*رو*ب الناعمة من مُلهيات فنية، عقلية، وأفكار تحررية مزعومة يُوصف هذا الشخص بالجنون والارتياب.. وإذا صدقناه هززنا الرؤوس وفضضنا الجلسة لنعود لحياتنا، فما نحن فاعلون وحدنا؟ والآن قارئي العزيز أدعك لحكمك الخاص في قول الكاتب في باب: الانفصال التاريخي بين العلم والحكم مع الصراع السياسي، فموضعي الحالي لا يسمح بالكلام و ربما الغد يخبئ لسانًا أفصح. أحببت فقط أن أشارك هذا الحديث وأهديه لكل من أُعدُ أنا و أنت من رعيته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من راعٍ يبيت غاشًا لرعيته إلا حرم الله عليه رائحة الجنة”.
لنتأمل معًا
” كن ملكًا في الدنيا، ملكًا في الأخرة، كيف؟ اقطع طمعك وشهوتك عن الدنيا، فإن المُلك في الحرية والاستغناء”.
في هذا الحديث تكون الكتابة سهلة والفعل عصيب، والصعوبة هذه لا يٌعرف أصلها، أ تنشئتنا ضعيفة أم قلوبنا غلف؟
وإن وصلنا لهذا الجذر، كيف نجتثهُ بفاعليه لينبت لنا حقولًا صالحة؟
عندما انتصفت في قراءة هذا الكتاب بدأت تساؤلاتي تغلب خواطري، لأن الكاتب طرحها أيضًا خصوصًا فيما يُبكي ألا وهو الاختلاف، وطبعًا نقصد فيه الغير محمود. في رأيي الفقير، أن الانسان يجب أن يختلف ولو قليلًا عن أخيه؛ فلو أننا أتفقنا دائمًا فكيف سيحصل النمو؟ لكن الاختلاف المذموم هو ما يطال الأرواح ويُنقص من كرامة الأنسان! حقًا من خطط ليُفرق ساد.
الحلول البطيئة لنتائج طويلة
بعدما أخذني الكاتب في دوامات المشاكل العويصة بدأ رويدًا بإدخال الحلول. التربية الصالحة والاجتهاد هما الحلين الوحيدين لإنعاش كيانانا مرة أخرى، ورغم طول المدة التي نحتاجها لزراعتهما فحصادهما سيكون مرضيًا يُنسينا مشقة الفلاحة. بالطبع ما كتبتُه سابقًا هو النسخة اللطيفة من الشدة التي أبداها الكاتب في تعليقه على التربية الصالحة وله الحق صدقًا. أما فيما يتعلق بموضوع الاجتهاد والتجديد في الدين فإنه علم أرغب وبشدة التعمق فيه لأن عصرنا هذا يحتاجه بشدة، لكن: ” التعصب المذهبي في اغلب أحواله يقوم على النفاق العلمي، أعني على تسخير العلم في خدمة الاهواء” وأعوذ بالله من هكذا علماء!
” يجب أن تعود للإيمان بالله قداسته ولأوامر الله وحدوده قداستها، أن نتعهد سلوك الأفراد لنطمئن أبدًا إلى قيامهم بفرائضهم الدينية، فلا نأذن بإهدار صلاة موقوتة ولا نسمح بتهوين واجب مطلوب”
” العقائد والعبادات، والأخلاق والأحكام، والحدود التي استبانت معالمها في الكتاب والسنة هي هداية الله لخلقه، وكل محاولة للبتر، او الإضافة أو التحوير فهي خروج عن الإسلام، وافتراء على الله، وافتيات على الناس، وتهجم على الحق بغير علم”
بعدما تخرجت من الجامعة استأت من نفسي، فأنا لطالما احطت نفسي بقراءات إما مختلفة عني تمامًا من فلسفات غربية، أو تشبهني تمامًا من كتب علمية بحتة، فأدى بي هذا لجهل عظيم في الأساسيات، ولربما كان هذا السبب الرئيسي لالتقاطي هذا الكتاب. هذا الكتاب هو بداية صغيرة، ونقدي له غير موجود؛ فأنا بأي أساس سأبني عليه.
نعم لربما لاحظت تطور لا بأس به منذ اصدار هذا الكتاب وزماننا، أيضًًا تمنيت لو محمد الغزالي عاش لهذا اليوم، أكان ليُعدل عليه؟
ختامًا فلقد أطلت الثرثرة. كمقدمة رائعة لفهم إسلامنا وإعادة اكتشافه فأنا أنصح بهذا الكتاب، لأنه أعطاني الفضول الازم للتعمق أكثر في فهم ما لُقنت وانا طفلة. أدعو الله أن ييسر لي طريق الهداية ويفتح لي أبواب المعرفة الحقيقة. أترك لك قارئي العزيز الحديث النبوي العظيم الذي لا تنفك دموعي بالانهمار كلما سمعته:
“الإثم: إذا حاك في نفسك شيء… فدعه… الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليك الناس. الإيمان: إذا ساءتك سيئتك، وسرتك حسنتك، فأنت مؤمن”.
خُلقت لتكون مبدعاً💓بتوفيق يا اجمل كاتبة💞
دعمُكِ يُقويني و دعواتك تكتب لي التوفيق بفضل رب العِباد 🩷