ميلادًا سعيدًا

وداع حزين لربع القرن

ميلادًا سعيدًا لكل مواليد يناير، نحن الأفضل -بشهادتي-.


السعادة المرتبطة بعيد الميلاد تختفي تدرجيًا كُلما تقدمنا بالعمر، أليس كذلك؟ الإجابة نعم ولا. من المحزن قليلًا أن تشعر بمرور السنين، كأنك تعتق، لكن هذه لذة الحياة فما فائدة المحيا بلا نهاية. في آن الوقت لا تنسى، السعادة ودفئها الذي يملئ عيون مُحبينا وهم يغنون حولنا: سنة حلوة يا جميل، لربما لن تطول بها أعمرنا، لكنها تجمّلها بالفعل.

اليوم كبرت وأشعر بذلك، أشعر بحمل المسؤولية لا حمل العمر. أفكر، كيف سأواجه الله بعد كل هذه السنين وماذا ستكون اجابتي على سؤال: عُمرك فيما أفنيته؟

أريد أن أتحرك لكنني في جمود، هل أنا مقيدة؟ نعم وأحاول الصمود، وليس الخروج. لأول مرة أرفع يدي لرب العباد بهذه الدعوة ” ربي حررني”. كنت معتادة القيود بل وأبدعت فيها حتى صارت أسورةً أُمتدح عليها. كبرت، وهذه الأسوِرة ليست من معادن ثرية؛ فبدأت تصدأ، ألم يحن الوقت لأكسرها في أوج ضعفها أم أدع الوقت يأخذ مَشربه منها فلا أُلامْ على شيء؟

  مالي أطلب الكثير وأفعل القليل، لم أكن هكذا، أتره العمر غيرني أم انتقاداتي بدأت تعذبني في نفسي؟

اليوم واجهت عيوبي ورباه كم جمعت على مرّ السنين. حقًا سيستغرقني حلّها سنةً كاملة.

قبل عدة أشهر نظرت الى تقويمي المكتبي ثم تحول نظري نحو مذكراتي أو مخططي الذي أستعمله، وجاءتني هذه الفكرة تطرق بابي. وجهت نظري نحو الباب فإذا بها أنا لكن مُختلفة، مظهر خارجي مُنظم مشيةٌ مستقيمةٌ حازمةٌ ونظرة، نظرةٌ مختلفةٌ في عينيها، حدقت فيّ وقالت: هذه فرصتك أبدئي من جديد، ربع قرن قد مرّ وأنتِ على هذه الأرض فكيف قضيتيها؟ كلا عزيزي القارئ لم أجن -أو ربما- بل استيقظت. قد يكون عمري هذا كبيرًا للبعض أو صغيرًا لأخر، لكن ما يُتفق عليه أنه مُتقدم، أنا اليوم أكبر من الأمس وأصغر من الغد.

بمجرد انتهاء حوارنا، توجهت نحو مفكراتي القديمة وبدأت -دراميًا- بالتخلص منهم عدا الذكريات القليلة السعيدة. ما فاجأني هو قلة تدويني لذكريات اليوم رغم ابتسامتي الدائمة واعتزازي بذكرياتي المفرحة، لكن أينها على الورق! جمعت فتات السعادة المكتوبة في حزمة مضحكة وقررت البدء من جديد، اليوم أولد لكن بخبرة خمسٍ وعشرين سنة، لا سجلات ورقية لفشلي القديم، فقط ذكرى سأرويها بعد النجاح العظيم، مُدوِنةً فقط جميلها ومحفوظةً للقريبِ أو البعيد.  

تلك الأوراق المرمية في قاع سلة المهملات لها حق الدفاع عن نفسها.

دائمًا ما أفكر ماذا أنجزت كل هذه السنين؟ بالطبع عندما اسأل أي انسان يعرفني -ولو سلامًا- ستتنوع الأجوبة لإرضائي أو مواساتي، أنت متعلمة، بصحة وعافية، لا زلت شابة أمامك الطريق كله والخ من الإجابات الرائعة، لكنها لا تُطمأني البتة. اقتنعت الان أن الإنجاز حالة عقلية وليس قائمة مهام، أو هو قائمة مهام لم أنهها أنا شخصيًا.

أميلُ كثيرًا نحو التسويف، اكتب بتنظيم مقنع ما عليّ فعله ثم أشاهد مقاطع لأنجح الناجحين عن كيفية التطبيق. مُحرج حقًا الاعتراف بهذا الشيء لكنني أرفض بشدة أن أكون ممن يقولون ولا يفعلون، فإن أحب قلبي النُصح عليَّ أن أرتقي لإعطائه. كيف بدأت هذه العادة المُستنزفة؟ ببساطة ولطف غير متوقعين، وصدقًا لا أذكر. المعلومة التي أثق بصحتها هو أنني لم أُسوف مع ما أظنه الجديات: كالدراسة مثلًا. لم أختنق يومًا في تسليم مشروع عمل أو مشروع مدرسي -إلا عندما دخلت عالم العمل الجماعي الموحل- كنت أرتب وقتي وأولوياتي على هذا الأساس. عند النظر لنجاحي في تلك المهام مع تسويف قليل إلى غير ملحوظ أفكر ما هو دافعي؟ لربما الخوف أو الاستعداد للخطأ قبل وقوعه؟ لأن هذا الالتزام لم يمتد للدراسة العادية خلال الفصل الدراسي؛ فأسفًا لم آكن من الموهوبين الذين يدرسون المنهج أولًا بأول، بل كنت أخزن كمية متواضعة من المعلومات وأحل المفروض من الواجبات وكفى. إذًا مشكلتي ليست وليدة اللحظة كباقي مشاكلي بل لها جذور عريقة وقلعها يحتاج طاقة عظيمة! سأدرس هذه المشكلة مُطولًا وأشارك نتاجها.

في هذا الوقت من السنة القادمة من سأكون؟

اكتشفت ان هذا التساؤل يُنعشني. تخيلوا كيف ستكون كاتبتكم العزيزة بعد سنة من اليوم، هل ستتذكر هذه الانسانة المُكافحة التي تحاول بشدة أن تصنعها؟ كيف تتصرف وأين ستكون، هل ستُحبط لو ظلت ارضها هي ذاتها أم كعادتها ستتأقلم بآلاف الأعذار. التأقلم ميزة يُعظمها الكثير، أُحسَد كثيرًا كوني اتلون طبقًا للبيئة المحيطة بي، الناس تشعر بالأمان معي لأنني أمسي مألوفة لهم في أيام، يُقال: كأنني أعرفك من سنين، لكن لما تحبطني هذه التشكرات؟ منذ عمر صغير وأنا أفكر ما هي شخصيتي، أنا هادئة، كلا أنا ثرثارة، أريد أن أصبح هادئة فيتساءل الجميع أأصابني مرض أم أحزنتني وقيعة، كيف أكون أنا من غير عيون العالمين. أحب سؤال الاغراب و الأقراب : من أنت؟ لكن لم تشفي غليلي إجابة واحدة، بالطبع أسوء الإجابات هي: أنا آنا من سأكون مثلًا … هههه-ظريفة- أما بقية العاقلين فتتشابه أجوبتهم بتغير المفردات: أنا أخلاقي الحسنة، لا أحب الكلام كثيرًا أو عكسه، أريد الحرية -أولسنا جميعًا- وإلى آخره من الإجابات الرائعة لو وضعت في اختبار تحريري لحصلت على الدرجة الكاملة، لكن أين التخبط؟ لما لم يقل أحدهم أنا ضائع وتراودني التساؤلات، هل لازلت لم أقابل هذا الإنسان الطبيعي؛ الواثق الخطى شكلًا وعاصف البال صدرًا.

أتخبط فلا يريحني الا البدء من جديد، كيف يُصنع المجد من البدايات فقط؟

ألية دفاعية جديدة طورتها في السنتين السابقتين، عندما يمر يوم لم يعجبني حصاده اصرخ: لن احسبه وسأبدأ غدًا من جديد وهكذا مرت سنتين، واليوم، البارحة، وغدًا، هم أيامي الجدد. تمزقت أوراق الزمان و أنا أنتظر الفرج الزائف فهل سيحين له أوان؟ شاهدت في “مسلسل” كوميدي حلقة مغزاها أن الأنسان له شخصيته التي لا يمكن تغيرها إلا بنسبة 1%. ضحكنا على مشاهد الابطال ومُحاولاتهم المريرة بالتغير، لكني لم أضحك. ماذا لو كانت كل هذه الأحلام التي أريدها فكرة لرواية وليست قابلة للتحقيق مع شخصيتي هذه التي أتذمر منها، لربما شخصيتي الحالمة ستشذ عن الطبيعي و تتغير جذريًا.

فكرة مضحكة لكن مقنعة: ماذا لو كانت حياتك مسلسل تلفزيوني أكنتِ لتشاهديها؟

صانعة محتوى على برنامج ” TikTok” بادرت بتشجيع الفتيات على تغيير حياتهن بتبني هذه الفكرة كونها الأقرب لقلوبهن جميعًا -أنا مشمولة أيضًا- فجميعنا لدينا “مسلسل” نستريح فيه من همّ الواقع ونسافر به إلى عالم خيال، فأي “مسلسلٍ” هذا الذي ستتابعه إن جلس فيه البطل طول الحلقة يتابع فيه مسلسلًا أخر؟ قد تكون هذه استراتيجية عظيمة لدفع عجلة التغيير وإشعال الحماس، لكن سرعان ما تخبو الشعلات إن لم يكن مصدرها سرمديًا. ستكون هذه فكرة وردية تخطر ببالي صباحًا فأعطر غرفتي، ارتدي مجوهراتي، اعد كوبًا وسيمًا من القهوة، فيمر الصباح بجاذبيته بطيئًا حتى يوصلني لِظُهره بأمان.

  سطرٌ معلق بلا نقط نهاية

قد تستغرب عزيزي القارئ كيف لهذه التدوينة أن تكون بلا حلول، هي فقط تساؤلات أضعها لي ولك، والإجابة ستكون السنة القادمة. عندما نعود هنا بعد أن تتابع علينا الفصول وتلون الشمس جلودنا، سنبدو مختلفين ليس فقط خارجيًا بل داخليًا أيضًا، والى ذلك الوقت لن أضع نقطة نهاية الفقرة

فكرتين عن“ميلادًا سعيدًا”

التعليقات مغلقة.