رسائل

رسائل الى الرجل المُلتحي

أنا لا أشعر بالأمان بعد الآن، فأيُ أمان يأتي عندما يقوم رجال كلمة الله بهذهِ الأفعال. نكبر ونحن نشك بالكل إلا هم، فمن يرفع راية الحق بلا مقابل يستحق ثقة العميان، لكن ماذا لو كان لهم مقابل لا نعرفه؟

تقبيل الأيادي، تقديمهم في المكان بل وتغيير الزمان، يقوم فنقول: سيدي وشيخي، صيغة الجمع لفردٍ مُقفر! يُحبون الاهتمام الذي جلبته العمائم. لا تُهمهم كلمة الحق لأنها لا ترفع منابرهم، بل يبحثون عن الاختلاف الطفيف ليُكبروا شأنهم بفنون الجدال، هل تطورت البشرية أم أُنيرت عقول؟ كلا ولا يهم، المهم أن تُقبل يدي شيخك عند دخول المجلس والخروج منه لتحل عليك بركاته.

تُرفع العمامة صباحًا ليصيح في شبابنا، ثم تُنزل ليلًا لُيشاهد ما نَهوا عنه. يُقال إني أريد هدم القدوات، وفي البداية كُنت خائفة من هذا الاتهام، لكن الآن أقول: نعم، أريد أن اهدمها ونبدأ من جديد، صدقيني عزيزي القارئ أنت تريد هذا الرجل ليكون قدوة للكافر حتى ينجح المسلمون.

كتبت هذه الرسائل القصيرة جدًا وكليّ حنق، بل غضب يشوش بصيرتي قبل بصري، ثم تدرجت بي الأيام وعالجني الزمن، فهدئت لتتضح رؤيتي، لربما لم تعتدل تمامًا وهنالك مجال للتحسن. لازلت أناقش موضوع نفاق رجال الدين فيتملكني الغضب لكنني أُمسك لساني قسرًا لأهدئ من روعي، فليس الشديد بالصرعة بل من يمسك نفسه عند الغضب.

نظرتي لهذا النوع المُعين من رجال الدين كالتالي: يعيش رجل الدين المُدعي سنوات شبابه وهمّته في الزهد المبالغ فيه، فيُلاحق عباءات نسائه لتسويدها وتطويلها، ليصل الى أرذل العمر فتضعف هذه الهِمة وتظهر الطوايا الحقيقة التي لم تُعالج في الصغر، لتُحفر على الصخر عند الكِبر. رجل الدين يُعرف منذ الصغر، فهو رجل أو امرأة مُختارين ولا يَختارون؛ يُمكنك عزيزي أن تكون مُتدين المتدينين وأعظم المؤمنين، لكن دع نشر العلم وصقل الفهم لأصحابه المُختارين. تفقه في دينك عزيزي القارئ لكن دع عنك الفتاوي! مُر بالمعروف كأي مسلم وأنه عن المنكرات بصبر المؤمن، لكن لا تصنع حلقات تعليم وأنت مُنكراتك يُحرم علينا نهيك عنها.

بالطبع لا داع أن أقول الجملة الشهيرة ” ليس كل رجال الدين هكذا” لكنني قُلتها لأبرأ الذمة أمام ضعاف النفوس، الواضح أو ما أريد إيضاحه أن المقصود برجل الدين هنا هو المنافق، الذي حدَّث فكَذب وإن لم يكن واضحًا؛ فمن رجال الدين من درس القانون فيحتال على المغفل الذي لا يعرفه، ومنهم إذا وعد أخلف، لكنه لم يعطي وعدًا منطوقًا فيتلاعب بك هكذا، وأخرهم إذا أتمن خان، تُعطيه أبنتك أعظم أمانة في حياة أي أب لرجل حياته ” من البيت للمسجد ومن المسجد للبيت” ليُريك عجائب أمانته.

ختامًا وقبل أن أدعكم مع رسائلي الخمس عشرة، بدأتُ الكلام بشعور الخوف وأريد أن أنهيه بالأمل. هنالك في غرفة معزولة في أرضٍ ما، يجلس عالم يخاف الله سرًا قبل جهره، يحفظ المتون بلا تصفيق، ويسهر الليالي بلا تقدير، إن اكتشفته فأحكي عنه بلا علمه، أرفع شأنه بين الجموع، أنصت لنصائحه واجتهد لمساعدته، فهؤلاء الأصليون الذين سيهدمون التقليد.  

الرسالة الأولى:

السلام عليكم، تحية الإسلام التي تدعو للسلام؛ لكني آبا السلام معك. قلتُ لنفسي ستكون الرسالة الأولى سلمية لأن القادم أثقل لكنني للان “بالريش”. عزيزي الذي لا يعز عليّ، مَسّد كما تشاء بتلك اللحية، نعّمها وهذبها لتسهل عليَّ سحبها قادمًا.

الرسالة الثانية:

لن تتلذذ بُحبٍ أبدًا. وعدٌ بلسانِ حر فهو دينٌ عليّ. ستبقى تشحذ فتات الاهتمام، وتنتظر بقوارع الطرق أي سؤالٍ عن الحال، لكن لن يلتفت إليك حيوان. هذا زرع الأمس تحصد ثماره اليوم.

الرسالة الثالثة:

وجودك في حياتي أيها الرجل الملتحي كالسراب؛ كلما اقتربت منك رأيت حقيقتك. أنت غير موجود بل يخدعني عقلي بوجودك، أنت أسم، وجود يملئ فراغًا مكانيًا. أنا أنساك لأني لا احتاجك، لم تُعطني عندما احتجت، ولم تؤني بينما ارتعشت، فهل أنت موجود؟

الرسالة الرابعة:

ليس من شمائلي النكران، عزيزي الرجل الملتحي شكرًا لمنّك عليّ بالعطايا الواجبة والغير واجبة عليك؛ علمتني حقًا أن اسعى لنفسي لاتقاء شر المذلة، وأيضًا الشكر كل الشكر لدفعي نحو تعلم الاقتصاد بعمرٍ صغير. هذه الدروس العظيمة لن تُنسى كونها جاءت من القريب.

الرسالة الخامسة:

لكل فعلٍ هدف، وإن صعب علينا اكتشافه او تقبله. هدفي من هذه الرسائل هو تحرير الغضب السلبي لعمل فني إيجابي، يسأل سائل، أين وجه الإيجابية في رسائل غاضبة؟ لربما مُناجاة مشاعر الغاضبين الحزانى، من لا قلم لهم، المُتألمين، لكن لا تعبيرَ يصف شعورهم. هدفي أن أفرغ غضبي فلا أشعر تجاهك بشيء.  

الرسالة السادسة:

أيها الرجل الملتحي يحزنني أنك وصلت لهذا العمر ولم تلتفت لأخطائك السابقة، بل وتكررها عدوانًا لنفسك، يحزنني أكثر أنني حزينة عليك، فأنت لا تستحق. ما يُسعدني، هو أنك جعلت تدمير ذاتك هدفك الأسمى.

الرسالة السابعة:

سرٌ لك وسرٌ عليك. مهما أخفيت، فالخافي عنك أعظم. لا تغتر بتغليفك المثالي؛ فورقه شفاف. انت تذكيري الدائم بأن أكثر الأشياء التي أحاول اخفائها تطفو ليراها الجميع عداي.

الرسالة الثامنة:

تذكر أيها الرجل الملتحي -أقدم لك نصيحة- مهما حاولت أن تُفرغ من كأسي لتملئ كأسك، أنت لديك مصدر ناضب، أما أنا فأسير مع تيار التطور، وأسقي نفسي من مصادر متجددة. يومًا ما -قريبٌ جدًا- سينضب مصدرك؛ بينما أحير أنا في أمري، من أين آتي بكؤوس جديدة؟

الرسالة التاسعة:

كيف حال جراحك الوهمية؟ أتطببها بخيلات أم تستأصلها بحكايات؟ عذرًا فأنا لا أصدق حُزنك ولا تحركني دموعك، فهي مجرد مياه إن جرت من صنبور فستجري من عيون. لا يُحركني حُزنُ من يُحزِن غيره، ولا آلم لمن يُؤلم غيره استشفافًا به.

الرسالة العاشرة:

وما فقداني لأنوثتي نقصٌ

ولكن حِفظًا لحضارةً غاب عنها الرجالُ

صُرِعتُ بمقتلها بلا نواحٍ

فعويلُ الرجالِ بها أصيلُ

هانت عليهم دموعُ النساءِ

وثقُلت عليهم كسبُهُمُ المالُ

ذكرتُ الرجال سهوًا في كل بيتٍ

ونسيتُ فليسَ كلُ الذكورِ رجالُ

الرسالة الحادية عشر:

” يا عيني على الشايب لما يدلع يبقى زي الباب المخلع”

ما بين الروح الخضراء المُحبة للحياة و ” التصابي” شتان، بل يُمكنك وضع كل واحد منها على جبل أحدهما شرقي وأخرٌ غربي. مهينٌ بحقك يا رجل، أن يُرقيك الله بالشيب فتهزك الفتون بِصبغه.

الرسالة الثانية عشر:

 أسدٌ عليَّ وفي الحروبِ نعامةٌ       فتخاء تنفرُ من صفير الصافر

هلّا برزت الى غزالة في الوغى         أم كان قلبُك في جناحي طائر

سُبحان مُثبت الأزمان ومكور الأكوان، تتطور الدُنيا ويضل نسل الجبان في كل زمان ومكان. ماله غير التنمر على النساء و الغلمان، بل يجب القول قليل النساء من يقدر عليهن، فها هي غزالة ذاك الزمان تُنادي للمبارزة، وغزالةُ هذا الزمان تعيد أمجادها بإنشاد تلك الأبيات في كل مجلسٍ، وتكتبها على كل الحيطان.

الرسالة الثالثة عشر:

سامحي يا نفسي فالحياة أقصر مما تُحصي. رجوتكِ بأن تغفري وتذكُري بأن تكليفكِ يحتوي وسعكِ، فمهما ظننتِ أنكِ وصلت لحدكِ، تذكري بأن راسِمهُ كاتِبٌ لكِ كل شيء منذ الأزلِ، فلا تقنطي فتخسري!   

هو إنسانٌ فانٍ بجسدهِ وذكراه، وأنتِ ينزل جسدكِ التُرابَ وتطفو ذكراك الى الأبدِ.  

الرسالة الرابعة عشر:

وداعًا أيها الرجل المُلتحي، سلمتُك مفتاح تحكمك فيّ، فلا حرية كحرية الروح والعقلِ. لم أكسر سجنك، بل جمّلتُ جُدرانه بزهرٍ وحُبٍ لم تنلهُ بأرضٍ واسعةً وعشراتِ الخلانِ. ظننت أنك بحبس جسدي نلت مُبتغاك، لكن لما ضحِكاتي تعلو على ضحِكاك؟

حمدًا لربٍ اعطى وأخذ؛ بغبائك قمعت كياني فأعطيتني ألف سببٍ لأثور عليك، فأحذر الآتي.

الرسالة الخامسة عشر:

رسالتي هذهِ الى ربي، لكنني سأشاركها معك أيها الرجل المُلتحي.

ربي سامحني فلقد أذنبت بأخطر المعاصي. رأيت ذا اللحيِة يلهو بقلوبِ رهيفي النفسِ فتصيبهم شتى الأمراضِ والوساوسِ.

غضبتُ ساعتها فوسوست لي نفسي: لماذا يُعاقب الضعيفُ ويُثاب الجاني؟

دخلتُ في سيرورةٍ أكبرَ من شأني، أدعوك ربي بأن تكون نيتي ضعفًا ولا تكون غرورًا فأرسب في دُنيتي.

هذا تدبيركُ فما شأني، أنت علامُ الغيوب، وحافظٌ لي حقي. ربي لا تُغرني بالراحة إن ظلمتُ عبدًا فيضل به سعيي، واسقني سَموم العذاب هُنا ولا تُخزني يوم الحشرِ.  

فكرتين عن“رسائل”

التعليقات مغلقة.